لم تكن الرسالة الدموية والمزلزلة، التي وجهتها إسرائيل من الضاحية الجنوبية اللبنانية يوم الجمعة الماضي باتجاه إيران، الرسالة الأولى، ولن تكون الأخيرة. فرسائل العدوان تتوالى، وهو يخطف يومياً عشرات الشهداء من المدنيين، ليصل العدد إلى الألفين في أسبوعين، ويدمّر بشكل ممنهج، ليس فقط قرى جنوب نهر الليطاني، بل البقاع الشمالي والشرقي والغربي مع ضاحية العاصمة الجنوبية، والمرشّح لأن يطول أياماً وربما أسابيع، رغم تكرار معزوفة وقف النار والمبادرات الدولية والحديث عن التهدئة وتطبيق القرار 1701.
وإذا كان السؤال اليوم يتمحور حول ما بعد اغتيال إسرائيل الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله، فإن أسئلة كثيرة بدأت تُطرح في الصالونات السياسية، وهي لا تتعلق بالرسائل الإسرائيلية العدوانية فقط، بل بترجمتها على المستوى السياسي الداخلي، وبالدرجة الأولى، حول ما يمكن للطبقة السياسية، أو القادرين من المسؤولين، تقديمه للبنانيين، خصوصاً وأنه في حال توافرت النية لدى البعض لتجنيب لبنان المزيد من الضحايا والخراب، فما هي حدود قدرتهم لتقديم الحلول الناجعة في مثل هذه الظروف العصيبة والخطيرة وغير المسبوقة في تاريخ لبنان.
لا يختلف إثنان على أن السلطة الراهنة التي عايشت الإنهيار والفساد والحروب، وبقيت في موقع المتفرِّج على تراجع لبنان في كل المجالات وعلى كل المستويات، بعدما عجزت عن إيجاد الحلول، قد تجد صعوبةً أو ربما استحالة في الوصول إلى مرحلة الإمساك بالواقع المنزلق نحو الحرب المدمِّرة أو حرب “الإبادة”، كما تصفها أوساط سياسية عليمة، عاصرت حروباً إسرائيلية سابقة على لبنان.
إلاّ أن نقطة الإختلاف ما بين العدوان الإسرائيلي الحالي والحروب السابقة، تتمثل وفق الأوساط، بالتحوّلات المتسارعة التي طوت مرحلةً سياسية، وأطلقت مرحلةً جديدة، سقطت فيها كل الخطوط الحمراء، بدءاً من 17 أيلول وصولاً إلى السابع والعشرين منه، حيث أن العنوان يبقى بالنسبة ل”حزب الله”، في كيفية استكمال مسيرته، فيما هو بالنسبة إلى القوى السياسية والحزبية، مواجهة الإختبار الذي تقف أمامه، وهو توحيد اللبنانيين المنقسمين حول العدوان أولاً، وحول مصلحة لبنان ثانياً، وتشكيل سدٍّ منيع أمام مخطّط استحضار الفتنة الطائفية والمذهبية ثالثاً.
وإذا كانت الأهداف الإسرائيلية، هي اختراق وحدة اللبنانيين وتعميق الشرخ بينهم، فإن الأوساط السياسية، تقرّ بأن المسار الوحيد لإحباطها، يكون بتكريس عنوان الوحدة الوطنية والتقاط لحظة تضامن اللبنانيين بين بعضهم البعض، للعبور نحو تكوين الجبهة الداخلية القادرة على مواجهة الخطة الإسرائيلية العدوانية، والتي تقوم على توسيع إطار الحرب على لبنان، واستنساخ تجربة تدمير غزة في لبنان وتحويله إلى غزة ثانية، وهو ما تحذِّر منه عواصم القرار وفي مقدّمها باريس، التي أوفدت إلى وزير خارجيتها المعيّن منذ أسبوع فقط، لطرح مبادرة ديبلوماسية توقف هذا العدوان من بوابة تنفيذ القرار 1701، بعدما لمست مقاربة لبنانية متمسكة بالتهدئة وجاهزة لوضع سبل تنفيذ القرار الدولي على طاولة النقاش، ومن زاوية تكريس وجهة النظر اللبنانية الرافضة لأي احتلال أو اختراق، أو لسيادة لبنان جواً وبراً وأيضاً بحراً.