حالة من الغضب الشعبي تلفّ الواقع الكروي في لبنان، خصوصاً بعد النتائج المُخيّبة للآمال التي قدّمتها المنتخبات الوطنية في المشاركات الخارجية، إن كان على صعيد المنتخب الأول أو حتى المنتخب الأولمبي، وصولاً إلى منتخب الصالات.
كنّا قد أشرنا في مقال سابق، إلى نقطة مهمة متمثّلة بالمستوى الكروي الموجود في لبنان حالياً، وربما لو نَظرنا إلى المنتخب منذ 12 سنة، وتحديداً في حقبة الألماني ثيو بوكير، لوجدنا أنّ عناصر هذا المنتخب مختلفة تماماً عن المنتخب الحالي، إن كان من الناحية الفنية، أو حتى على صعيد المستوى والجودة والتجارب الاحترافية.
ولو قمنا بشرح تفصيلي لوجدنا أنّ منتخب بوكير، صانع الإنجاز الأكبر بالفوز على كوريا الجنوبية ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى مونديال 2014، كان يَمتلك عناصر مهمة ومواهب استثنائية، أمثال: رضا عنتر، يوسف محمد، عباس عطوي، محمود العلي، محمد غدار، زياد الصمد وغيرهم من اللاعبين الذين كانوا قادرين على منافسة أقوى المنتخبات والخروج بنتائج إيجابية.
منذ تلك اللحظة التاريخية، أي الفوز على كوريا الجنوبية، لم نحصد انجازاً تاريخياً سوى التأهل مرتَين إلى المرحلة الأخيرة من التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، لكن أينَ تكمُن المشكلة؟
مشكلة كرة القدم في لبنان بُنيَوية، وهي ليست عابرة يُمكن أن تُحَل بكبسة زِرّ، أو حتى بوصفة سحرية، هي مشكلة مزمنة تحتاج إلى اعتراف بوجودها أولاً ثم تشريح كل الأمراض، وصولاً إلى العلة الأساسية ومن بعدها إيجاد الدواء.
وفي عصرٍ باتت كل دول الجوار تتقدّم بالمستوى الكروي، لم يَعُد من المسموح أن نغضّ البصر عن أزمتنا الحالية، ولا أن ننتظر موهبة خارقة تستطيع أن تنقلنا إلى مَصاف منتخبات القارة الكبار. ولعلّ أبرز ما يُمكن فعله حالياً هو إطلاق ورش العمل داخل الاتحاد اللبناني لكرة القدم من أجل تحليل هذه الاخفاقات المتتالية، والاستعانة بكل من يمكن الاستفادة منه ليُقدّم أفكاره الثورية التي يمكنها أن تفيد المنتخبات بشكل خاص والكرة اللبنانية بشكل عام.
وأيضاً من الأمور التي لا بُدّ من الإضاءة عليها، مسألة ثبات الأجهزة الفنية من عدمها، بالإضافة إلى اختيار هذه الأجهزة بطريقة سليمة علمية، على الرغم من القدرات المادية المحدودة والمتواضعة في الفترة الحالية.
كما الاتحاد، هناك دور مُهِم مُلقى على عاتق الأندية اللبنانية التي يجب أن تساهم أيضاً في رفع مستوى فرَقها، وتطبيق التقنيات الحديثة في تدريباتها وتمارينها، فتنقل هذه الخبرات من النادي إلى المنتخب.
ولعلّ ما يحدث حالياً في نادي الصفاء الرياضي، خير مثال على التحضير الاحترافي، من خلال تحوّل النادي إلى مؤسسة رياضية تعمل على تنمية قدرات اللاعب الفنية والبدنية والترفيهية وكل ما يحتاجه، وهذا الأمر لا بُدّ أن ينعكس بشكل إيجابي على أرض الملعب.
يجب على الاتحاد أن يُعِدّ دراسة وافية لمستقبل المنتخبات الوطنية، وتحديداً المنتخب الأول، خصوصاً أنّه على أعتاب المشاركة في نهائيات كأس الأمم الآسيوية مطلع العام المقبل، وسيخوض المباراة الافتتاحية، فعليه أن يَظهر بصورة مشرّفة للكرة اللبنانية.
الكثير من الحلول الموقتة مطروحة على طاولة البحث، منها الاستعانة باللاعبين المغتربين وتطعيمهم بالمحليِّين أو إعداد معكسر كبير وطويل، والتحضير المكثف قبل السفر إلى قطر.
وعلى الرغم من كل ما ذُكِر، تبقى مشكلة الكرة اللبنانية كبيرة، وبحاجة إلى ثورة تطويرية. والى حين الوصول إلى هذا الهدف، لا بُدّ من أن تتشابَك كل الإرادات في سبيل خدمة هذا الهدف.
ومن الواضح أنّ سياسة التشفّي وتصفية الحسابات لم تَعُد تغري الرأي العام الرياضي، فالحل بعودة الجميع إلى ضمائرهم، والبحث عن الحلول لإنقاذ كرة القدم اللبنانية على حساب كل المصالح.