منذ مغادرة الوفد القضائي الأوروبي بيروت منتصف آذار الماضي انشغلت الأوساط القضائية والسياسية باحتمال طلب القضاة الأوروبيين الاستماع إلى وزير حالي في الحكومة خلال الزيارة الثالثة للوفد في 26 الجاري التي قد تستمرّ لأكثر من أسبوع.
وفق معلومات “أساس” تبلّغت جهات رسمية لبنانية احتمال استدعاء وزير المال يوسف خليل للمثول أمام القاضية الفرنسية Aude Buresi كشاهد، إضافة إلى طلب الاستماع إلى شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة ومساعدته التنفيذية ماريان الحويك واثنين من المصرفيين الكبار. وهؤلاء جميعاً سبق أن استمع إليهم وإلى رياض سلامة المحامي العام المالي القاضي جان طنوس.
سابقة لا مثيل لها
لا شكّ أنّ مثول وزير المال أمام القضاء الأوروبي في لبنان أو الخارج سيشكّل سابقة لا مثيل لها لجهة استدعاء وزير حالي يتمتّع بحصانة وزارية ومحسوب على رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ما يفترض سلوك آليّة معيّنة تتيح مجيء وزير المال إلى قصر العدل والردّ على أسئلة المحقّقين، ثمّ انتظار النتائج المترتّبة على هذا الاستدعاء بناءً على ما تتضمّنه أجوبة المُستدعى.
تفيد معطيات “أساس” أنّ الاستماع إلى وزير المال لا يرتكز على صفته الوزارية الحالية، بل على المرحلة التي شغل خلالها بشكل خاص منصب مدير العمليات في مصرف لبنان، وما اعترى هذه المرحلة، من ضمن سياق أشمل وأوسع، من شوائب قانونية وتنظيمية وشبهات مالية.
بالتأكيد هو الموظّف في مصرف لبنان، ثمّ الموظف “الوزير” في حكومة ميقاتي الذي لا يقول لا لأحد، وتحديداً للرئيس برّي و”الحاكم بأمره”.
شغل يوسف الخليل عدّة مناصب في مصرف لبنان منذ عام 1982، وآخرها مدير العمليات المالية في المصرف. وهو عضو سابق في لجنة عمليات السوق المفتوحة. وعند تعيينه في حكومة نجيب ميقاتي الأخيرة ربط كثر بين مرجعيّته السياسية لناحية إصرار عين التينة على طرح اسمه من ضمن “الثوابت” التي لم تتأثّر ببورصة الأسماء المتداولة في وزارات أخرى وبين مرجعيّته المصرفية التي تصبّ في “مكتب الحاكم”، وما بينهما دوره المالي على مدى سنوات “خدمته” كمدير للعمليات.
وفق المعلومات ستتمحور الأسئلة حول دوره في تلك المرحلة، وخصوصاً أنّ صلاحيّات مدير العمليات كبيرة جدّاً، إضافة إلى دوره الأساس في ملف الهندسات المالية التي أشرف عليها منذ 2017 ومسؤوليّته المباشرة عن الحسابات التي كانت تدخل وتخرج منها العمولات المرتبطة بشركة “فوري” وكلّ العمليات المالية التي قام بها مصرف لبنان وباتت مصدر شبهات ومتابعة دولية ومحلية. هو بالتأكيد “المدير” الذي كان يعلم كلّ شيء… ولا يفعل شيئاً!
سبق أن استمع القاضي طنوس لوزير المال الذي قدّم إفادة تفصيلية استدعت طلب مثوله مرّة جديدة أمام القضاء الأوروبي بوصفه أحد الأركان اللصيقين بالحاكم على مدى عقود ورجل الثقة لديه.
أسباب الغضب الأوروبي على خليل
يجزم مطّلعون أنّ قضاة أوروبيين تابعوا باهتمام عرقلة وزير المال طلب رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل هيلانة إسكندر في 31 آذار 2022 من وزير المال تكليف محامٍ أو مكتب محاماة لمعاونتها أمام المحاكم الأجنبية بغية حجز الأموال العائدة لحاكم مصرف لبنان وشركائه لمصلحة الدولة اللبنانية، ومداعاتهم أمام القضاء الأجنبي للحؤول دون مصادرة الأموال من هذه الدول بعد ورود كتاب من المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات بشأن تجميد أموال الحاكم في مصارف سويسرا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا ولوكسمبورغ. ثمّ تجاهل الوزير خليل كتاباً ثانياً من القاضية إسكندر لتعيين محامي دولة إلى أن تمّ تجاوز عقبة وزارة المالية بعد توقيع وزير العدل هنري خوري على طلب إسكندر تعيين محامين من دون أجر عقب اتّخاذ الدولة اللبنانية ممثّلةً بهيئة القضايا صفة الادّعاء الشخصي في التحقيق الذي تجريه القاضية الفرنسية أود بوريسي.
الجدير ذكره أنّه في خضمّ الملاحقة الدولية لسلامة جاهر وزير المال، الذي يعطيه القانون صلاحية رفع الاسم المقترح لتعيينه حاكماً لمصرف لبنان، في تصريح إلى وكالة رويترز، بأنّ “من الصعب العثور على خليفة لرياض سلامة”، وذلك ردّاً على سؤال عن احتمال تعيين حاكم جديد قبل انتهاء ولاية سلامة.
فعليّاً، يلاحَق وزير المال بتهم التستّر على عمليات تبييض أموال واختلاس وسوء أمانة ارتكبها الحاكم وعدد من شركائه، إضافة إلى حماية سلامة وعرقلة سير العدالة والإضرار بمصالح الدولة اللبنانية. بذلك يكون الرجل السياسي رقم 2 بعد الوزير السابق مروان خير الدين الذي يدخل مدار الملاحقة القضائية أوروبياً، وللصدفة أنّ رجلَيْ المال محسوبان في السياسة على الثنائي الشيعي.