رغم اختيار الحزب «التقدمي الاشتراكي» ملاقاة قوى المعارضة، وعلى رأسها حزبا «القوات» و«الكتائب»، في الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس للجمهورية بالتصويت لصالح الوزير السابق جهاد أزعور كما في استحقاقات أخرى، فإن الرؤى والمقاربات المختلفة للطرفين لكثير من الملفات وأبرزها الحوار وتفعيل عمل مجلسي النواب والوزراء، يهدد خطط المعارضة في المرحلة المقبلة والتي بمعظمها تقوم على تصعيد بوجه «حزب الله» لا يبدو أن الاشتراكيين يؤيدونه.
ووقّع 31 نائباً أبرزهم نواب «القوات» و«الكتائب» وعدد من النواب المستقلين، هذا الأسبوع، ورقة سياسية أعلنوا فيها «المواجهة التصاعدية الديمقراطية» التي قالوا إنها ستكون «سلمية ضمن المسار المؤسساتي وخارجه حيث يجب».
وبطبيعة الحال، لا يؤيد الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي لم يوقع نوابه على هذه الورقة مضمونها بالكامل، كما لا يؤيد التوجه التصعيدي لهذه القوى ما يهدد بإضعاف موقفها وموقعها. وهو ما عبّر عنه رئيس الحزب النائب تيمور جنبلاط، السبت، محذراً من «مغبة الاستمرار في المناخ التعطيلي السائد وانسداد الأفق السياسي للحوار ومقاطعة الجلسات التشريعية، وخلق هذا الكم من المعوقات، في ظل الأزمات المثقلة بالتداعيات السياسية والرئاسية والمالية والاجتماعية». وفي تصريح على هامش استقبالات شعبية في بلدة المختارة بمنطقة الشوف، شدد جنبلاط على أن «المطلوب وقف تصفية الحسابات السياسية على حساب الوطن، ولجم مسلسل الانهيارات، والشروع إلى التوافق على إدارة أزمتنا الداخلية على نحو سليم».
ولا ينفي عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن وجود مقاربات مختلفة بينهم وبين باقي القوى المعارضة لعدد من الملفات، قائلاً: «نحن لا نوافق مثلاً على الخروج عن أطر المواجهة السياسية والدستورية لما هو أبعد من ذلك؛ لأنه يودي بالبلاد إلى مخاطر كبيرة، كما أن من يقول هذا الكلام لا يعرف طبيعة لبنان والتوازنات القائمة، وقد يحتاج لإعادة قراءة الماضي والتاريخ لأخذ العبر».
ويضيف: «اختلفنا عام 1975 وذهبنا لمواجهة دامية وحرب أهلية دمرت لبنان، وسقط على إثرها 150 ألف شهيد، وبعدها ذهبنا إلى الحوار في الطائف وانتهينا إلى مصالحة كبرى».
ويوضح أبو الحسن في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «التلاقي مع بعض القوى الوطنية خلال الانتخابات النيابية وبعدها حول عناوين كاستعادة القرار الوطني المستقل والإصلاح، لا يعني انسحاب التلاقي على عناوين أخرى. ونحن لا نعتقد أن من شأن ذلك أن يؤدي لإضعاف ما يسمى بالمعارضة؛ لأن أصلاً مفهومي المعارضة والموالاة يجب إعادة النظر فيهما».
ويؤكد أبو الحسن «رفض المواجهة التصاعدية (التي أشار إليها بيان النواب الـ31)… فنحن مع منطق التلاقي والحوار غير المشروط ليتم التفاهم على شخصية وطنية توافقية تتحلى بالقدرات، وتستند في رؤيتها إلى مسألتين: الحفاظ على اتفاق الطائف وتطبيق مندرجاته، كما أن يكون لديها بالتعاون مع الحكومة والبرلمان رؤية إصلاحية نستطيع من خلالها إنقاذ الوطن. أما أي طرح خارج هذه الأطر فسيودي بالبلاد إلى الهلاك ويودي بنا إلى المجهول»، مضيفاً: «في لبنان لا تقوم معادلة على قاعدة غالب ومغلوب، فالبلد لا يحتمل مغامرات، وحده التوافق على قاعدة مسلمات الاعتدال والطائف والإصلاح قادر على الإنقاذ. ففي ظل الانهيارات المتتالية يفترض أن نبحث عن حلول لا عن مشاكل إضافية».
بالمقابل، تعدُّ النائبة عن «القوات اللبنانية» غادة أيوب أن «لكل فريق سياسي أسلوبه وطريقة عمله، وهذا يدخل ضمن حقه الدستوري ونظرته ورؤيته للمسائل، وهذا أمر غير قابل للنقاش، إلا أنه لا يحق لأحد أن يقيم الآخر في هذه المرحلة إذا شاء أن يكون خارج الاصطفافات. فهذه رؤيته ونظرته. جل ما يهمنا هو أن نلتقي نحن والحزب الاشتراكي على مجموع الاستحقاقات، وهذا أمر حاصل».
وتضيف أيوب لـ«الشرق الأوسط»: «نحن عملياً التقينا مع الاشتراكي على تأييد النائب ميشال معوض وصولاً لتأييد التقاطع على جهاد أزعور وما بينهما من ملفات وقضايا. لكن لكل تكتل أو حزب أسلوب، والتمايز هو في الأسلوب. أما إذا أخذنا الهدف فبالجوهر والمضمون هناك التقاء واضح حول النظرة إلى لبنان وسيادة لبنان وأولوية الدولة ومشروع الدولة أو طبيعة المواصفات المطلوبة لرئاسة الجمهورية، أما الأمور الأخرى المتعلقة بمجلس النواب فهو لديه مقاربة مختلفة، ونحن نتفهمه ونعمل على مزيد من التلاقي».
ورداً على سؤال، تقول أيوب: «واضح أن هذا الفريق المؤلف من 31 نائباً لا يستطيع أن يأتي برئيس، لكنّ حزب الله وحلفاءه لا يمكنهم الإتيان برئيس أيضاً. لذلك فالمهم أن هذه المجموعة تشكل قوة متكاتفة ومتماسكة استطاعت أن ترفع سقف المواجهة في بيانها الأخير بما تضمنه من ضرورة تطبيق القرارات الدولية وقرارات جامعة الدول العربية، وأمور تتعلق بالسلاح وقيام الدولة. هذا البلوك المعارض المتراص يدعو إلى مساحة مشتركة وطنية لكن القرار واضح بعدم تسهيل مرور مرشح ممانع إلى قصر بعبدا؛ لأنه سيبقي الأمور في الحال المأساوية الموجودة»، مشددة على أن «هذه المعارضة استطاعت خلال العام الماضي أن تقفل الطريق على مرشح الممانعة وتسقط الحوار والمبادرة الفرنسية وتحول المناخ الخارجي من متبن للمبادرة الفرنسية لإيصال مرشح خارجي إلى موقف أعاد التأكيد على الثوابت الوطنية من خلال بيان اللجنة الخماسية في الدوحة».