لم تعد المدارس الخاصة تطرح الدعم الإلزامي بالدولار الأميركي، بخجل، كما كانت الحال عليه في السنوات الأخيرة، بل إن مبلغاً مهولاً تموضع جنباً إلى جنب مع القسط الأساسي وباتت تستوفيه قبله وخارجه، مستفيدة من «قبة باط» من الوزارة فيما صرخات الأهالي مكتومة.
على عين وزارة التربية، تبطش مافيا بعض المدارس الخاصة بأهالي التلامذة من جديد. فلا تعميم وزير التربية، عباس الحلبي، الرقم 33/م/2022، الصادر في بداية العام الدراسي 2022 ـ 2023، والمتعلق بعدم جواز فرض المدارس، أيّ مبالغ، أياً كانت تسميتها أو قيمتها، خارج الموازنة المدرسية نفع، ولا تحويل المدير العام عماد الأشقر لموازنات كلّ المدارس غير المجانية لهذا العام، من دون استثناء، إلى المجالس التحكيمية التربوية (المعطّلة) لمخالفتها أحكام قانون تنظيم الموازنة المدرسية الرقم 515/1996 ردع تفلّت هذه المدارس في تحديد قيمة مساهمة الأهل، بالدولار الأميركي، في ما بات يعرف بـ”الصندوق”، أو الدعم الإلزامي خارج القسط المدرسي.
“قبة باط” من الوزارة
تستفحل المافيا في فرض أقساط بالليرة اللبنانية، ومساهمات خيالية غير قانونية بالدولار الأميركي، مستفيدة ربما من “قبة باط” من الوزارة، ومن الصرخات المكتومة للأهل، وتواطؤ بعض لجان الأهل، وإن كانت هناك نية لاتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لسلوك طريق مختلفة هذه المرة دفاعاً عن حقوق الأهل، بعدما غابت الوزارة عن المشهد وفشلت في وضع تعميمها حيّز التنفيذ.
وبينما كانت المدارس تطلب “المساعدة” بالدولار، بخجل، مع بداية العام الدراسي إلى جانب القسط، باتت تريد أن تستوفيها قبله، وبأرقام عشوائية وغير مبرّرة، بإقرار بعض ممثلي إدارات المدارس نفسها. المنطق يقول إن هذه “الطفرة” بالدولار يجب أن تقابلها زيادة موازية لرواتب المعلمين بالدولار أيضاً. وبحسابات تقديرية لهؤلاء أن المدرسة التي تعطي مساعدة للمعلم بقيمة 500 دولار شهرياً لا يجب أن يتجاوز سقف المساعدة بالدولار التي تفرضها على التلميذ الواحد 1000 دولار، وهذا الرقم يسمح لها بأن تعود إلى سابق عهدها ما قبل الأزمة لجهة تفعيل النشاطات اللامنهجية وغيرها. أما أن تكون المبالغ المفروضة أضعاف المعقول فهذا يدلّ عن قلة دراية أو عن نوايا مبيّتة، كما يقول ممثل إحدى المؤسسات التربوية.
“ليست معركة كسر عظم”؟
الأمين العام للمدارس الكاثوليكية ومنسّق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، يوسف نصر، يرفض الدخول في لعبة الأرقام “التي تتفاوت بحسب ظروف كلّ مؤسسة، تبعاً لحجم المدرسة وأعداد الطلاب ولعدد الأساتذة لكل طالب، وموقع المدرسة إذا كانت ساحلية أو جبلية، وعدد أيام التعليم واعتماد النشاطات اللاصفية أم لا، والدعم بالدولار للمعلم”. يقول نصر إن المدارس تبني موازناتها بالنظر إلى كلّ هذا المصاريف، وقد كانت هناك دعوة داخل اتحاد المؤسسات بالاستعداد المبكر للعام الدراسي المقبل 2023 ـ 2024، مع إعطاء توجيهات عامة بأن تتكيّف المدارس مع الواقع الاقتصادي الجديد وأن تستعيد عافيتها تدريجياً، أي أن لا تفرض بالدولار قيمة الأقساط التي كانت قبل الأزمة، بمعنى أنه إذا كان القسط في السابق 3 ملايين ليرة مثلاً، أي 2000 دولار وفق سعر صرف يوازي 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد، فإن المدرسة لا يجب أن تفرض هذا المبلغ دفعة واحدة، على قاعدة “أن نريح المعلم، لا يعني أن ندخل في كسر عظم مع الأهل، فكلا الطرفين شريك مع المدرسة في العملية التعليمية”. ويشير إلى أن “الحوافز الإنتاجية للمعلمين مأخوذة على محمل الجد من مؤسسات الاتحاد، وهناك تشاور بشأن التوفيق بين إمكانات المؤسسات وإمكانات الأهل، فالمسألة تُعالج بنفس إيجابي في انتظار وضع رؤية تربوية مشتركة بالتنسيق مع نقابة المعلمين واتحادات لجان الأهل”.
هو العام الأول الذي تفرض فيه جمعية المبرات مبالغ إضافية بالدولار تراوح بين 300 و500 دولار في مدارس الأطراف و500 و820 دولاراً في بيروت. منسّق مديرية التربية والتعليم في الجمعية، فايز جلول، يبرّر الزودة المستجدّة بأن “كتلة رواتب المعلمين باتت تشكل عبئاً على الموازنة، وخصوصاً أنها خضعت في الأشهر الماضية لزيادات متحرّكة تتغير قيمتها وفق سعر الصرف، وقد وقعت غالبية المدارس في عجز”. ويقول إن القرار اتُّخذ بأن يكون القسط بالليرة اللبنانية مدروساً وأن يكون إلى جانبه “صندوق دعم” مدروس أيضاً، بما لا يتناقض مع رسالة الجمعية في خدمة المجتمع. وفيما يلفت جلول إلى أن قيمة المساعدة للأستاذ بالدولار إضافة إلى راتبه بالليرة اللبنانية كل ذلك لا يزال قيد الدرس، يؤكد أن المعيار سيكون الحدّ الأدنى الذي يحفظ كرامة المعلم.
تشليح وخوّات
في المقابل، كان صادماً ما صدر عن رئيس مجلس أمناء جمعية المقاصد، فيصل سنو، من تعميم يتعلق بأقساط كلية خالد بن الوليد التابعة لجمعية المقاصد الخيرية، إذ راوح القسط بالليرة اللبنانية بين 55 مليون ليرة و70 مليوناً إضافة إلى دعم بالدولار يراوح بين 2500 و3200 دولار، مع فتح ملف يراوح بين 1500 و2000 دولار. ويلوّح التعميم بأن الأقساط بالليرة اللبنانية قابلة للتعديل خلال العام الدراسي. في الواقع، فتح الملف هو أشبه بـ”خوّة” تتقاضاها غالبية المدارس الخاصة، وتتميّز عن المداخيل الأخرى غير المنظورة ضمن القسط مثل القرطاسية والنقل والزيّ المدرسي والأنشطة والكافيتريا، أنّها غير منظورة في الواقع أيضاً، وهي ليست إلا باباً لـ”التشليح” ووضع المبالغ المستوفاة في “صندوق أسود” لا يُعرَف عنه شيء.
“الأخبار” حاولت التواصل مع المسؤولة التربوية في الجمعية وممثلتها في اتحاد المؤسسات سهير زين للوقوف على خفايا هذه الزودة، إلا أنها رفضت متذرّعة بأن ما يجري تداوله يندرج في خانة الانطباعات، إذ “ليس هناك قرار نهائي والنقاش داخل الجمعية لا يزال قائماً”، ومع ذلك قالت إنّ “أقساط هذه المدرسة بالذات كانت وما زالت مختلفة عن مدارس الجمعية، وهذا يتصل بالبرامج التربوية المقدّمة والتجديد والتطوير”. موقف زين أتى قبل صدور التعميم الرسمي بيوم واحد، لذا طلبت “الأخبار” من زين مرة جديدة التعليق على التعميم من دون أن تلقى جواباً أيضاً.
فوق المحاسبة
أما المدارس الإفرادية الكبيرة فتتصرف وكأنّها فوق أي قانون، لكون تحديد أي قسط مرتبط بإعداد موازنة تفنّد الإيرادات والمصاريف، تتجاوز واقع البلد والأزمة التي تعصف به والتضخم والخسارة التي حلّت بالمداخيل، وخصوصاً لمن يقبض بالليرة اللبنانية. ببساطة، هي مطمئنة إلى أن سقف المحاسبة، إنذار من وزير التربية وتحويل الملف إلى مجلس تحكيمي (قضاء) تربوي معطّل، أو بالحد الأقصى يمكن أن يصدر وزير التربية قراراً بتوقيف توقيع المدير ومن ثم يوضع القرار في الدرج. ويبدو أن ما فعلته بعض هذه المدارس هذا العام استعادة ما كانت عليه قيمة القسط بالدولار قبل الأزمة.
لدى إعلانها جدول الأقساط لعام 2023 ـ 2024، وضعت ثانوية الروضة أقساط 2018 ـ 2019 (قبل الأزمة) التي كانت تراوح بين 5650 دولاراً (8 ملايين و475 ألف ليرة وفق سعر صرف 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد) و7233 دولاراً (10 ملايين و849 و500 ليرة). وقد فرضت هذا مبلغاً بالدولار يشكل 65%، وآخر بالليرة اللبنانية يمثل 35% وفق سعر صرف 30 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، علماً أن الأقساط تراوح بين 3675 دولاراً و59 مليوناً و300 ألف ليرة وبين 4250 دولاراً و75 مليوناً و990 ألف ليرة. وبحسابات بسيطة، يراوح إجمالي القسط الجديد بالدولار بين 5652 دولاراً و6783 دولاراً، أي القيمة نفسها قبل الأزمة تقريباً. أما قسط المنهج الأجنبي فيصل إلى 4960 دولاراً و80 مليوناً و200 ألف ليرة.
نائب مدير الثانوية، علي شلهوب، رفض في اتصال مع “الأخبار” الخوض في أي تفاصيل، لكون “الأهل لا يحتاجون إلى وساطة الإعلام للحديث مع إدارة مدرسة أولادهم، فالإدارة شفافة والقرار مدروس، والمعايير التي نبني بموجبها أقساطنا معروفة للأهل ونحن نضعهم في الأجواء في وقت مبكر ليبنوا على الشيء مقتضاه، علماً أننا ندرس كل الحالات الخاصة بالتشاور معهم”.
إلى ذلك، تلقّى أولياء الأمور في المدارس التابعة للبعثة العلمانية الفرنسية رسالة أشارت فيها إدارة البعثة إلى أنها قرّرت رفع رواتب المعلمين أسوة بزملائهم في القطاع العام، وذلك على خلفية أن الحكومة اللبنانية اتخذت قراراً برفع أجر العاملين في المدرسة غير المنتمين إلى الكادر التعليمي، إضافة إلى رفع بدل النقل للجميع، ما يجعل راتب المعلم المبتدئ أقل بعشر مرات من أجر العامل المُعيّن حديثاً، “وهو أمر غير مستحب وغير واقعي ولا يسمح للمؤسسة بالحفاظ على المستوى المهني المتقدّم للمعلمين”، كما جاء في الرسالة. وبناءً عليه، قرّرت البعثة رفع رواتب العاملين فيها والمعلمين على حد سواء، مشيرة إلى أن الزيادة في النفقات سوف تؤثر على قيمة القسط المدرسي، وبالتالي ستعرض على لجنة الأهل ميزانية لهذا العام الدراسي وسترسل فاتورة رابعة بمبلغ متوسط يبلغ نحو 12 مليون ليرة لبنانية عن كل طالب.
“دوبلت” مدرسة الكوليج بروتستانت الدعم الإلزامي بالدولار، إذ أصبح 4400 دولار بدلاً من 2200، فيما تبدو مديرة المدرسة، لينا الخال، مقتنعة بأننا “لا نستطيع أن نضحي بأيّ من البرامج التي على أساسها يختار أولياء الأمور مدرستنا دون غيرها من المدارس، فالدعم يتفاوت بحسب مصاريف كلّ مدرسة، إذ ندفع ثمن الاتفاق مع الدولة الفرنسية، ولدينا أساتذة أجانب، والأهم أننا نساعد طلابنا وننظر في ظروف كلّ منهم على حدة، ولم يسبق أن غادرنا أيّ من العائلات لأسباب مادية”.
عجز موظفي القطاع العام
هذه الأرقام المهولة للأقساط ستدفع الموظف في القطاع العام على الأقل، والذي يتقاضى 30 مليون ليرة في الشهر كحد أقصى، أن يدفع دخله السنوي مع المنحة المدرسية التي لا تتجاوز في أفضل حالاتها 170 دولاراً، قسط تلميذ واحد في هذه المدارس. وتُقدّر نسبة أبناء موظفي القطاع العام والقطاعات العسكرية المسجلين في المدارس الخاصة بين 30 و40% من تلامذة المدارس الخاصة غير المجانية، وهي الفئة الاجتماعية المتوسطة. كيف ستستطيع هذه الفئة دفع تكلفة تعليم أولادها؟ ولماذا تتغاضى الوزارة عن هذا التفلّت وتترك المدارس تحدّد قيمة مساهمة الأهل في الصندوق؟ وكيف يتأكد الأهل والوزارة أن الإنفاق بالدولار يُوزّع بشكل عادل بين رواتب المعلمين والمصاريف التشغيلية؟