رغم توقيع وزير الداخلية والبلديات اللبناني بسام مولوي قبل نحو أسبوع قرار فتح باب الترشيحات إلى الانتخابات البلديّة والاختياريّة، لا يزال كثيرون يشككون في إجراء هذه الانتخابات التي تم أصلاً تأجيلها العام الماضي، خاصة أنه حتى الساعة لم يتحدد مصدر تمويلها في ظل تقاذف المسؤولية في هذا الملف بين مجلس النواب والحكومة.
صحيح أن معظم الأحزاب تؤكد علناً تمسكها بإجراء الاستحقاق في موعده احتراماً للمهل الدستورية، إلا أن بعضها بات يستعد لتأمين نصاب جلسة تشريعية يتم تخصيصها حصراً لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية.
وتُجمع الأحزاب الكبيرة والمعنيون بالشأن الانتخابي على أن هذه الانتخابات بعكس تلك التشريعية والنقابية، ويغلب عليها الطابع العائلي والمناطقي ما خلا المدن والبلدات الكبيرة.
وبدأ القسم الأكبر من الأحزاب الاستعداد جدياً لهذا الاستحقاق منذ نحو شهر. ويؤكد النائب عن «التيار الوطني الحر» أسعد درغام أنهم يعملون على أساس أن الانتخابات حاصلة في موعدها و«نحن جاهزون لخوضها». ولفت درغام في تصريح إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «المعارك البلدية – الاختيارية بمعظمها مناطقية – عائلية، وهي في المدن الكبيرة حصراً قد تتخذ طابعاً سياسياً معيناً». ويضيف: «في عكار مثلاً التيار قد يكون موجوداً على أكثر من لائحة لأن المعارك عائلية بمعظمها، ما يُرجح أن تُترك الحرية للناخبين بالتصويت للائحة التي يفضلونها».
ورغم الاستعدادات الحزبية العونية الناشطة، يشدد درغام على وجوب أن «نكون واقعيين بعيدين عن الشعبوية، فلا إمكانيات مالية – لوجيستية – تقنية لإجراء الانتخابات ما لم يحصل تغيير جذري… فالمعطيات الراهنة لا توحي بأن الانتخابات حاصلة في موعدها»، موضحاً أن «تكتل التغيير والإصلاح» سيدرس ما إذا كان سيشارك في جلسة نيابية للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية «إذا وجد أن هناك استحالة لإنجاز الاستحقاق لأنه لا يمكن أن نقبل بشل البلد من دون بلديات ومخاتير. لكن القرار النهائي يعود للتكتل».
أما من جهة «القوات اللبنانية»، فيشير رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» شارل جبور إلى أن «الجهوزية دائماً موجودة لدى (القوات) لخوض الاستحقاقات كافة، وما يحصل قبيل كل استحقاق هو تزخيم الماكينات لأننا موجودون بشكل دائم في المناطق والبلدات وفي تواصل مستمر لا ينقطع مع الناس»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الانتخابات بالنسبة لـ(القوات) تبدأ عند إقفال صناديق الاقتراع».
ويضيف: «لا شك أن الانتخابات البلدية في نهاية المطاف تختلف عن النيابية والطلابية والنقابية، فهي تتخذ في معظم المناطق طابعاً عائلياً، وبقدر ما تكبر البلدة بقدر ما يصبح منسوب التسييس أكبر، وبقدر ما تصغر يكبر العامل العائلي». ويرى جبور أن «هناك أحزاباً، وبخاصة تلك الموالية، لا مصلحة لها بحصول الانتخابات بعد الانهيار الحاصل. فمثلاً (أمل) و(حزب الله) يستطيعان ضبط إيقاع حركتهما ضمن مشروع انتخابي نيابي، ولكن عند كل انتخابات بلدية نرى تناقضاً ومواجهات داخل البلدات والقوى حيث يوجدان».
وهنا تؤكد مصادر «الثنائي الشيعي» (أي أمل وحزب الله) أن «العمل الفعلي للانتخابات البلدية والاختيارية بدأ في شهر مارس (آذار)، وإن كان لدى الحزب بعكس الحركة ماكينات تعمل على مدار العام أما (أمل) فتقوم بتشكيل لجان قبيل كل استحقاق». وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «في عام 2004 شهدت الانتخابات البلدية منافسة كبيرة بين (حزب الله) و(أمل). فتقرر عام 2010 التفاهم على خوض الاستحقاق على لوائح موحدة على أساس تثبيت نتائج انتخابات 2004 وهذا مستمر حتى اليوم».
ولا ينفك الحزب «التقدمي الاشتراكي» يؤكد تمسكه بـ«إجراء الانتخابات البلدية بمواعيدها دون التذرع بأي سبب كان مالياً أو غير مالي»، وتوضح مصادره أن «موقف الحزب الثابت هو انتظام العمل بكل المؤسسات بدءاً برئاسة الجمهورية وصولاً لآخر بلدية ومختار». وتشير المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هذه الانتخابات لا تُخاض بالمعنى السياسي إلا في المدن والبلدات الكبرى، لكن في باقي المناطق يغلب عليها الطابع العائلي، لذلك سنكون كما العادة داعمين لتطلعات الناس في هذا الاستحقاق على قاعدة التنافس لإنماء البلدات، وسنشجع قدر الإمكان على إشراك الجيل الشاب بفاعلية في هذه الانتخابات».
وكما معظم الأحزاب بدأت المكاتب الكتائبية الموزعة في معظم المناطق اللبنانية العمل على الاستحقاق البلدي – الاختياري. وتشدد مصادر «الكتائب» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه «لا يجب إلغاء الانتخابات أو أي استحقاق دستوري آخر سواء أكان استحقاقاً يخدمنا حزبياً أم لا، فهناك مهل دستورية يفترض على الجميع احترامها»، مؤكدة «القدرة والجهوزية لخوض الانتخابات في كل المناطق والقرى، وإن كما نستشعر محاولات جدية بالسياسة لتأجيل الانتخابات».
وليس جديداً، بحسب الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، أن «تكون الانتخابات البلدية – الاختيارية ذا طابع عائلي، باعتبار أنه تاريخياً لطالما كان لهذا الاستحقاق خلفيات عائلية محلية مع عدد محدود من المناطق حيث لها طابع سياسي»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لطالما تجنبت الأحزاب السياسية خوض هذه الانتخابات، باعتبار أنه إذا كان في بلدة معينة شعبية كبيرة لحزب ما، فإن يخوض مناصروه هذا الاستحقاق على لوائح متنافسة يجعل الحزب يتجنب دعم لائحة بوجه أخرى». ويضيف: «عام 1963 حصلت انتخابات وانتهت ولاية المجالس عام 1967، ورغم وجود انتظام عام بوقتها واستقرار سياسي تم تأجيل الاستحقاق حتى عام 1998». ويرى أنه كما في ذلك الوقت كذلك في المرحلة الراهنة تحاول الأحزاب الهروب من هذه الانتخابات باعتبارها غير مهيأة لها». ويقول: «حتى ولو لم تحصل انتخابات ولم يتم التمديد لتعذر عقد جلسة تشريعية فلا خوف من فراغ، إذ يمكن اللجوء ولو بعد حين للتمديد بمفعول رجعي وهناك سوابق في هذا المجال حين انتهت ولاية المجالس البلدية والاختيارية في مايو (أيار) 1967 وتم التمديد إلى يونيو (حزيران) 1969 وانتهت الولاية وصدر قانون بالتمديد في يوليو (تموز) 1971، أي استمرت بالعمل سنتين وشهراً من دون قانون».
وبحسب الشركة «الدولية للمعلومات» يبلغ عدد البلديات حالياً 1058.29، منها مستحدثة بعد عام 2016 و109 منحلات، فيما يصل عدد أعضاء المجالس البلدية إلى 12500.