في ظل الإعتكاف أو الضياع أو الفراغ السنّي في الحياة السياسية، يتّفق الجميع أن المعركة اليوم تنحصر بين المكوّن الشيعي بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن خلفه “حزب الله”، وبين المكوّن المسيحي المتعدِّد الأقطاب، وفي طليعتهم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
لم يفلح التقاطع على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور في خلق توازن شيعي – مسيحي، رغم تكتل غالبية القوى المسيحية “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” والكتائب تحت راية أزعور، لأن خيار أزعور سرعان ما فقد بريقه أو جدّيته كما يحلو الوصف للبعض. إذ أن التوازن بين المكوّنين يتطلّب الصدق والصمود على المواقف والخيارات، وهذا ما لم يتوفّر عند المكوّن المسيحي، على عكس التماسك لدى المكوّن الشيعي.
فمن المعلوم أن “أمل” و”حزب الله” يقفان في المعركة السياسية على قلب رجل واحد، ولا يزالان يصرّان على دعم ترشيح حليفهما رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ويرفضان الخوض في أي ترشيح غيره، ولذلك حسابات شيعية يطول شرحها.
أما “التيار” و”القوات” والكتائب، فلكل منهم موّاله الخاص ومصالحه السياسية التي تتخطّى الملف الرئاسي. فتراهم يتقاطعون مرة ويختلفون ألف مرة، حتى بات يصحّ القول فيهم إن مصيبة المسيحيين هي أولاً في قياداتهم الذين لا يرتقون إلى التحدّيات الوجودية التي يتعرّض لها جمهورهم.
فرئيس “القوات” سمير جعجع، يسعى لتنصيب نفسه زعيماً مسيحياً كبيراً، يحكم قبضته على الإستحقاقات ويكون له الكلمة الفصل فيها، مع تمسّكه بمخاصمة “حزب الله” مهما تبدّلت الظروف والمعطيات. لكن جعجع، الذي كرّس نفسه الزعيم الأول للمسيحيين وصاحب الكتلة الأكبر والتمثيل الأوسع لدى الشارع المسيحي، يفقد الكثير من فاعليته ومن جدوى كتلته بحكم تموضعه المتطرّف من “الثنائي الشيعي”، مما يضعه خارج حساب التسويات عندما يحين أوانها.
أما سامي الجميل، فهو تائه في المعركة، وأسير عقدة كونه الكتلة المسيحية الأصغر، فتراه تارةً يتناغم مع جبران باسيل كيديةً ب”القوات اللبنانية”، وتارة أخرى مع سمير جعجع في الإلتزام بالمعارضة، وخاصة في وقوفه بوجه الحزب ومشروعه.
أما جبران باسيل، فهو الخلل الذي أصاب المسيحيين في معركتهم السياسية بوجه الشيعية السياسية. فهو في طور تموضعات متقلّبة ليس لأسباب مبدئية أو جوهرية بقدر ما ترتبط بحساباته السلطوية. فهو ليس لديه مشكلة ببقاء سلاح “حزب الله”، فيما ينقلب على “حزب الله” ويتقاطع مع أخصامه بسبب رفض ترشيح سليمان فرنجية، ليعود وينقلب على المعارضة ويدعم خيار “الثنائي” لأي مرشح بمجرّد أن لا يكون فرنجية. وهو بذلك يوجّه ضربة إلى المعارضة، وتحديداً المسيحية، ويضعفها في مواجهة “الثنائي” فهو يريد فقط استخدامها للتخلّص من سليمان فرنجية، ليعود ويتخلّص منها ويهدي الرئاسة ل”الثنائي” مجدداً من خلال مرشح آخر له يكون باسيل شريكه دون سواه. وهذا ليس مفاجئاً، إذ لا يجب أن ننسى أن باسيل هو إبن الشيعية السياسية، ولولا “حزب الله” لما أصبح على ما هو عليه اليوم من حجم وموقع.
لكل هذه الأسباب، فشل المسيحيون في معركتهم مع “الثنائي الشيعي” ولو أنهم تمكّنوا حتى هذه اللحظة من إقفال الطريق أمام ترشيح فرنجية، إلا أنهم أخفقوا في تثبيت بديلٍ له، كما أنهم ساهموا – عن قصد أو غير قصد – في إضعاف الحضور المسيحي في السلطة وفي الدولة من خلال الشغور المتمدّد إلى الكثير من المواقع المسيحية وجراء إخراج المكوِّن المسيحي من مراكز القرار في لبنان بسبب غيابه عن السلطة التنفيذية رئاسةً وحكومة.