“تنذكر وما تنعاد”.. هي العبارة الشهيرة التي يحملها اللبنانيون من عامٍ إلى عام ليستذكروا بها يوم 13 نيسان 1975 الذي شهدَ على شرارة الحرب الأهليَّة اللبنانيّة قبل 48 عاماً. حينها، دخل لبنانُ منعطفاً كبيراً غيّر ملامحه الديموغرافية والسياسيّة، فباتَت ساحات الحروب والمعارك هي الطاغية، وأضحت النغمة الطائفيّة هي الراسخة على المتاريس وخطوط التّماس.
في مختلف التفاصيل التي ارتبطت بالحرب وأسبابها ومجراها، برزت الكثير من الروايات المتناقضة، فكلّ طرفٍ شارك فيها يطرحُ قصته وأسبابه والدوافع التي أدت إلى إنخراطه في المعارك. إلا أنّه ووسط ذلك، فإنّ الحقيقة التي يُجمع عليها اللبنانيون هي أن شرارة الحرب التي دامت لـ15 عاماً، انطلقت من منطقة عين الرمانة، لكنَّ الوقائع المرتبطة بما حصل تم ترجمتها بروايات كثيرة ومتناقضة.. فماذا قيل عن حادثة عين الرمانة؟ ما هي الرواية الرسمية عن شرارة الحرب؟ وماذا قال جهاتٌ أخرى عنها؟
في يوم 14 نيسان 1975، أوردت الصحف اللبنانية روايتين كتائبية وفلسطينية تشرحان الوقائع الأولية لحادثة عين الرمانة، قبل أن تطلّ رواية رسمية أوردها وزير الإعلام آنذاك محمود عمار.
الرواية الرسمية
وفي الرواية الرسمية: “قرابة الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم (13 نيسان) وفي محلة عين الرمانة حصل خلاف بين لبناني ينتمي الى إحدى المنظمات الفدائية مع بعض أبناء المحلة، ما أدى الى جرح الفدائي المذكور ونقله الى المستشفى. وبعد فترة وجيزة مرت سيارة فيات في المحلة نفسها، فتبادل ركابها إطلاق النار مع المسلحين الذين انتشروا في الشارع نفسه، فنتج عن ذلك مقتل اللبناني جوزف أبو عاصي. توتر الجو في المحلة. وصودف مرور سيارة أوتوبيس تقلّ فدائيين. فأُطلقت عليهم النيران وقُتل معظم ركابها وبعض العابرين، فبلغ عدد القتلى 22 قتيلاً”.
“السفير” و “النهار” 14 نيسان 1975
وأوردت صحيفة “النهار” بتاريخ 14 نيسان رواية عن الحادثة جاء فيها: “الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الأحد 13 نيسان، بينما كان يُحتفل بتدشين كنيسة في شارع الشيخ بيار الجميل في عين الرمانة، إذ بسيارة فولسفاغن مغطاة الرقم تخترق الشارع فأوقفها أحد رجال الأمن محاولاً الاستفسار من سائقها عن سبب تغطية رقم سيارته، فأجابه بأنه فدائي وينتمي الى إحدى المنظمات، فطلب منه رجل الأمن أن ينزع الغطاء عن رقم سيارته ويعود أدراجه.
وبعد لحظات اجتاحت الشارع سيارة فيات مسرعة ومغطاة الرقم أيضاً بداخلها أربعة مسلحين ووراءها اوتوبيس في داخله 20 مسلحاً، وأخذوا يطلقون النار على جموع المصلين، ما أدى الى سقوط قتلى وجرحى بينهم الرفيق جوزف أبي عاصي”.
وزاد لاحقاً الشيخ بيار الجميل:” إن سيارة الفيات قطعت الطريق بسرعة وأطلق من كان فيها النار من أسلحة رشاشة، فقتل جوزف أبو عاصي مع أنطوان ميشال الحسيني، وجرح من المارة عدد من الأشخاص، وهربت سيارة الفولسفاغن بدورها والرصاص من المسلحين في داخلها يطلق بغزارة”.
أمّا الرواية الفلسطينية فرواها مصدر مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية لجريدة السفير بتاريخ 14 نيسان وقال: “قرابة الساعة الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم 13 نيسان 1975، وفي أثناء مرور احدى السيارات التابعة لإحدى فصائل الثورة الفلسطينية، تعرضت السيارة في محلة عين الرمانة في بيروت للاحتجاز ثم لإطلاق النار على السائق من عناصر مسلحة من حزب الكتائب اللبنانية.
وقرابة الساعة الأولى بعد الظهر، وفي المحلة نفسها وفي أثناء مرور إحدى سيارات الباص التي تقل عدداً من المواطنين الفلسطينيين الذين شاركوا في الاحتفال بذكرى شهداء الخالصة الأبطال، تعرضت السيارة التي كانت في طريقها الى تل الزعتر لإطلاق نار كثيف من مكامن نصبتها عناصر حزب الكتائب بتدبير مسبق”.
إذاً، وبعد كل ما تقدّم من معطيات، فإن ما يبقى محفوراً في الذاكرة هو أنّ تلك الحرب هي التي قسّمت اللبنانيين وجعلتهم يتناحرون في ما بينهم بغض النظر عن الرواية التي توثق بداية الحرب. فالأساس هو أن التفرقة حصلت، ولكن العبرة تكمن في عدم تكرار تلك التجربة المريرة.. وحقاً “تنذكر وما تنعاد”..