ما حمله نيسان من أمطار وثلوج، عجز عنه تشرين وكانون. غطّى الزائر الأبيض طرقات قرى النبطية وشكّل سماكة بارتفاع 10 إلى 20 سنتمراً، في مشهد غاب منذ زمنْ طويل عن أذهان الجنوبيين. «إجا الثلج عالنبطية»، عبارة تردّد صداها. «وفّروا علينا البنزين لنصل إلى الثلج» قالها أحدهم، فيما كانت آليات بلديه النبطية ترفع الثلوج لتفتح الطريق عند بئر القنديل.
استبشر الناس خيراً، فالأمطار التي هطلت، قد تجنّبهم أزمة الشّح المنتظرة صيفاً، التي تكلّف المواطن مئات الدولارات شهريّاً. المؤسف في هذا المشهد التفاؤلي، أن 90% من المتساقطات تذهب هدراً، من دون فائدة.
أسقطت العاصفة التجاذبات الإنتخابية. صار البحث حول آلية رفع أنقاض ما خلفته من أضرار. فاجتاحت المياه المنازل والمستودعات والمحال، كاشفةً فشل البلديات في الإنماء طيلة السنوات الماضية، إذ لم تنجح في معالجة تصريف المياه على الطرقات وفي المجاري.
عند كل عاصفة شديدة، يظهر حجم الإهمال على الرغم من المناشدات التي تطلق، لكن «دقّ الميّ ميّ»، فالخطط الإصلاحية للبلديات «صفر». غرقت طرقات عدة، طافت المياه داخل المنازل، وتحديداً بيوت الفقراء، تاركةً أضراراً كبيرة. «من يعوض الخسارة؟». لا تزل صرخة زينب وهبي حاضرة، فالمياه حاصرت منزلها من جوانبه كافّة في حيّ المشاع بالنبطية. هي أمّ لطفلين، تعمل مُياومَة، ولا تقوى على رفع الأضرار، مردفةً «من يعوّض عليّ»، صرخة مغمّسة بدموعها. بالكاد تجد القوت والطعام لأولادها. صحيح أن مصدر هذه الخسارة هي الطبيعة، لكنّها ناتجة أيضاً عن حتمية الإهمال. فـحيّ المشاع كما يُعرف، نظراً إلى بناء معظم منازله في أرض مشاع، تخترقه مجاري الأمطار، التي بدل أن تتسرّب داخل قنوات الريّ، تصبّ في الطريق الذي يغرق عند كل «شتوه»، وتغرق معه السيّارات.
خسائر زينب كبيرة، طالت الأدوات الكهربائية والمفروشات، مثلها مثل نعيم الذي غرق مستودعه المخصّص للألبسة بالمياه، حيث وصل ارتفاعها إلى أكثر من 20 سنتمراً. يقف نعيم أمام كارثته، هاجسه سحب المياه، ليخفّف خسارته. وقع ضحية فشل البلديات كافة في إنجاز مشروع حيوي أو في تجهيز بنيتها التحتية بما يتلاءم مع مقتضيات التنمية المحليّة وتطوّر النموّ السكاني. إهمال البلديات يعود إلى ما قبل الأزمة. المشكلة أن العاصفة فضحت عجز البلديات بشكل كبير، أسقطت ورقة التين عن قُصر نظرها ورؤيتها كسلطة محليّة مولجة بتأمين أدنى متطلبات التنمية.
يقع مستودع نعيم في كفررمان، حيث يوجد مشكلة في تصريف المياه على الطريق. هذه المعضلة دفع ثمنها آلاف الدولارات، ليبقى السؤال الحاضر «من يُعوّض؟». نعمة السماء انقلبت نقمة. صحيح أن أسارير الناس انفرجت جرّاء المتساقطات التي هطلت عليهم لتخفّف عنهم أزمة المياه صيفاً، أو كما يأملون، لكنّ أضرار العاصفة لم تقتصر على المحال والمنازل، بل تسرّبت إلى «البيوت البلاستيكية» التي تضررت بفعلها. مع كل «شتوة»، تسقط الهموم على المواطن الغارق في الأزمات، سائلاً: لماذا لا يوجد أي سدود أو برك لتجميع المياه؟ أين البلديات التي لا تتعظ من أضرار السنوات الفائتة؟