منذ فترة قصيرة، رصد أهالي بلدة ديركيفا (قضاء صور) مسيّرات تحوم فوق بلدتهم بشكل دائم ومستمر، تتحرّك في نوبات تحليق دائرية ضمن أوقات معينة نهاراً وليلاً. أخذهم الظن صوب احتمال طبيعي في أن تكون تلك المسيّرات تعود للعدو الإسرائيلي نظراً لطبيعة النشاط الإستخباراتي الواسع والملحوظ الذي بدأه الأخير منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، بوصف بلدتهم تقع على تماس معين مع القرى الأمامية، لتتغير وجهة النظر سريعاً مع سقوط إحدى المسيّرات في أثناء تحليقها في محيط المقرّ الرئيسي للكتيبة الفرنسية في البلدة.
ومع مسارعة جنود الكتيبة إلى “لمّ المسيّرة” بعدما قاموا بإجراء تدبير غير مألوف تخلّله “مناورة” شملت فرض طوق في محيط مكان السقوط، فتح قوساً حول هوية المسيّرة والسبب الذي أدّى إلى هذا الإجراء، ومسارعة جنود الكتيبة الفرنسية إلى الخروج من مقرّهم بهذه الطريقة العلنية، علماً أن “اليونيفيل” تتجنّب، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، الخروج من أماكن تواجدها بعدما أجرت تعديلاً واسعاً على مهامها، حاصرةً نشاطها في تنفيذ مهام بالتنسيق مع الجيش اللبناني، ليتبين بعد التدقيق أن ملكية المسيرة تعود إلى الكتيبة الفرنسية بالفعل، وهو ما استرعى هذه السرعة في التحرّك خارج المقرّ، وإن التحقيقات الأولية أظهرت أن سقوط المسيّرة سببه “عطل فني”.
هذه الحادثة بالذات، فتحت باب التساؤلات حول طبيعة النشاط الذي تقوم به تحديداً الكتيبة الفرنسية في “اليونيفيل” في أماكن تواجدها شمال الليطاني، خصوصاً وأن حادثة المسيّرة لا تنفصل عن حوادث أخرى مختلفة، من كفرحمام إلى وادي الحجير، حيث يتبين أن الطرف المفتعل للحوادث دائماً هم الفرنسيون.
ولا بد من السؤال حول أسباب استخدام المسيّرات من جانب قوة تصنَّف في خانة “حفظ السلام”، وهل استحصلت على إذن مسبق للتحليق من قيادة الجيش بموجب طلب رسمي، مع الإشارة إلى أن الجيش عمّم سابقاً قرارات تمنع تحليق المسيّرات من دون الإستحصال على إذن، وإذا ما كانت الكتيبة الفرنسية قد تقدمت فعلاً بطلب ترخيص، وهو ما تنفيه معلومات “ليبانون ديبايت”، وما هي الموجبات التي تدفع قوّة حفظ سلام إلى استخدام السلاح المسيّر فوق بلدة جنوبية تكاد لا تبعد عن قرى المواجهة الأمامية مسافة كيلومترات معدودة، في محاولات لا يُفهم منها إلا أنها تأتي من أجل توفير معلومات إستخباراتية معينة تجهلها حتى الجهات الأمنية اللبنانية التي لم تكن على بيّنة من تحليق المسيّرة الفرنسية إلاّ عند سقوطها.
الفرنسيون في مرمى الإتهام!
أداء الكتيبة الفرنسية، أو الفرنسيين عموماً في اليونيفيل، يثير الريبة منذ مدة طويلة. فأخيراً ورد في تقرير لأحد الأجهزة الأمنية إشارته إلى معلومات عن حيازة عناصر من الوحدة الفرنسية كاميرات يقومون باستخدامها خلال الدوريات المشتركة مع الجيش، وهو ما يتسبّب عادة في خلافات بين الجنود الدوليين وضباط الجيش. وأخيراً تناقلت صالونات سياسية معلومات حول وجود رغبة فرنسية لرفع عدد “الوحدة الفرنسية”، كانت محل رفض لبناني رسمي واضح. ومع مسارعة شخصيات سياسية إلى التواصل مع “اليونيفيل” لسؤالها عن حقيقة الأمر، تولّت المتحدّثة بإسم قوّات اليونيفيل كانديس أردِيل، التأكيد على أنه ما من مؤشِّر إلى تغيير أو خفض عديد اليونيفيل حالياً.
أدوار مشبوهة لـ”قوة احتياط القائد”
كيفما اتفق، يقود البحث عن سرّ التمايز الفرنسي إلى أدوار وحدة الـFCR أو ما يعرف بـ”قوة إحتياط قائد القوات”، وهي عبارة عن وحدة تتشارك فيها مجموعة من وحدات اليونيفيل تشكل رأس حربتها الكتيبة الفرنسية، تأتمر برئاسة أركان “اليونيفيل” التي يشغلها تقليدياً جنرال فرنسي، حالياً يدعى جان جاك فاتينيه. هذا الشخص تحديداً، لا يكفّ إسمه عن التداول في المجالس السياسية (رغم حداثة عهده)، كأحد الضباط الذين يسعون إلى إدخال تعديلات على مهمة القوات الدولية الأساسية بالممارسة، بحيث تصبح قوة تفتيش أو عملياً فرض سلام وليس حفظ سلام، فيما أنشطته المبالغ فيها، والتي تعبِّر عن نظرة سلبية تجاه المقاومة عامة باتت تزعج فئات عريضة من بينها ضباط في “اليونيفيل” من الذين يشدّدون على ضرورة التنسيق مع الجانب اللبناني ممثلاً بالجيش، وليس تجاوزه كما يسوّق الجنرال الفرنسي، الذي بلغت تصرّفاته حد تخطّي قائد القوات الدولية الجنرال الإسباني آرالدو لازارو وانفراده في أمرة بعض وحدات “اليونيفيل” من دون تنسيق مع القيادة.
دور الجيش
الجيش اللبناني يُراقب عن كثب ويُدقّق في مدى احتمال أن تكون بعض كتائب “اليونيفيل”، تريد الذهاب ـ أو تذهب منفردةً – إلى تعديل قواعد عملها بالممارسة بمعزل عن رأي الجانب اللبناني. وينقل عن مطلعون تأكيدهم صدور توجيهات إلى وحدات الجيش في منطقة عمل اليونيفيل، لا سيما تلك التي تتحرك بموجب طلبات كقوة مؤازرة للقوات الدولية، إلى أخذ الحيطة والإنتباه والتصرف بحزم ودقة، منعاً لأي تجاوز لآلية العمل المتفق عليها بين الجانبين اللبناني والدولي، على أن تتولى قيادة الجيش معالجة أي جوانب يثبت فيها “شطح القوات الدولية” عن النص.
يُفهَم مما تقدم أن الدول التي أيّدت التمديد للقوات الدولية عاماً إضافياً أواخر الشهر المنصرم من دون إدخال تعديلات على النص، ما زالت تعمل أو تراهن على إدخال تعديلات “واضحة” بحيث يتيح للقوات الدولية “حرية أكبر” في الحركة والتصرّف، بوصف ذلك الخيار الأمثل والأصح اعتماده خلال المرحلة المقبلة، فيما ينقل عن معنيين أن الدول تلك قبلت المضي قدماً في المهام في الجنوب وفق نص القرار الصادر في العام الماضي، لكن في بالها إجراء تعديلات في الممارسة، من دون أن تشمل النص بما لا يؤدي إلى خلق إشتباك مع الحكومة اللبنانية أو مع الجيش.