ان القرار الذي ابرمته وزارة الاقتصاد والتجارة، واقتضى بدولرة كافة أسعار السلع والمواد الغذائية، للحد من الفلتان بالتسعير من قبل التجار الذين يضعون السعر بالدولار، الذي يتناسب معهم ويبنون حقوقهم المكتسبة عليه، لم يسفر عن اي نتيجة، وبات التجار يديرون العملية التجارية وفق مصالحهم بمهارة كبيرة، والفروقات كبيرة بين «سوبرماركت» وأخرى. الا ان هذه «الزوبعة» قضت على ما تبقّى من قدرة المواطن الشرائية.
في البداية، كانت «الدولرة» تشمل المواد المستوردة التي تخضع بطبيعة الحال للدولار الجمركي وثمنها «بالفريش»، بما فيها تلك المصنّعة محليا، وانما تحتاج الى مواد أولية مستوردة من الخارج، وبالتالي تكلفتها تكون أيضا بالدولار. الا ان الأمور ما لبثت ان انقلبت رأسا على عقب لتتدهور بطريقة دراماتيكية كارثية ومرعبة للمواطنين. فالسلع «المدولرة» ارتفعت بالتوازي مع المنتجات المحلية الصنع، والتي لا تحتاج في انتاجها او صناعتها الى عناصر أساسية مستوردة، بل جميع مكوناتها «خام لبنانية» لتسعّر أيضا بالدولار. واللافت ان بعض البضائع المستوردة سعرها بالليرة اللبنانية مثل «الكوفي ميت»، ولا نعرف تحت أي شعار او قرار!
التباين بالأسعار
بالمقابل، قسّم الدولار الأسواق اللبنانية ، وجعل التجار يتمادون بسبب غياب المراقبة والمحاسبة من قبل الوزارات المعنية والإدارات الرسمية المنوطة بهذا القطاع. وانفضح التباين بالتسعير ما بين محل وآخر، وانكشفت الفروقات بين سوق خضر وآخر. وهذا الامر شمل الصيدليات، فعلى سبيل المثال هناك ادوية على سعر الـ 1500 فُقدت من الأسواق مع اشتداد الازمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار، بدأت تظهر اليوم ويعمد الصيادلة الى شطب السعر القديم، ووضع آخر جديد يدويا «بالقلم»، والمواطن رهينة «بَهْورة» النقابات التي تدّعي انها ما انفكّت تحميه من الاستغلال ورفع السعر، ليتناقض وما يحدث على ارض الواقع.
قامت «الديار» بجولة ميدانية على الأرض، وجاء التفاوت بالأسعار على النحو الآتي: سعر كيلو اللحم في منطقة دوحة عرمون حتى البارحة بـ 700000 ألف ليرة، اما في بيروت وضواحيها فيتخطى ثمنه المليون. كذلك الامر بالنسبة لأسعار الخضر والفواكه ، التي سجّلت اختلافا كبيرا بالأرقام فمثلا، سعر كيلو البصل في المنطقة ذاتها 80 الفا والخسة بـ 40 الفا، اما في أسواق بيروت فتجاوز سعر الكيلو الواحد من البصل الـ 120 الفا، والخسة 100 الف، اما اللوز الأخضر فسعر الكيلو في منطقة البربير تفاوت ما بين 40 و80 الفا بحسب النوعية، فيما وصل في مناطق أخرى الى 200 الف، اما التفاح فسعر الكيلو في منطقة زقاق البلاط 48 الفا ، في حين بلغ سعره في بعض المحلات 170 الفا، أما الموز فالبعض يسعّر الكيلو بـ 55 الفا وتجار يبيعونه بـ 90 الفا. وهكذا تعمّ العشوائية اللامتناهية أو محدودة السقف.
العطش ارحم من لهيب سعر البطيخ!
في سياق «فاكهي» متصل، أشعل سعر البطيخ ألسنة المواطنين داخل محلات بيع الفواكه، بعد ان تعدى سعر الكيلو 250 الفا، ما يعني ان سعر «الرأس الواحد» حجم وسط قد يفوق الـ 3 ملايين ليرة لبنانية. ويُعد البطيخ من الحلوى الطبيعية المفضّلة للبنانيين، ورفيق دائم على موائدهم أيام الصيف والحر الشديد، كونه يروي ظمـأهم لاحتوائه على نسبة 98% من المياه، كما ان طعمه لذيذ وقليل السعرات الحرارية.
بالموازاة، هذا الامر أحدث بلبلة لدى المزارعين لتخوفهم من تكرار ما حدث معهم في محصول البطاطا المستوردة من مصر والأردن، ما قد يؤدي الى عدم قدرتهم على تصريف انتاجهم المحلي الوطني.
لبنان يزرع أنواعاً فريدة
يشتهر لبنان خلال فصل الصيف بازدهار حصاد الفواكه الطبيعية، وذلك يعود الى مناخه وطبيعة ارضه المناسبين لزرع أصناف واشكال مختلفة. كما انها تتميز بمذاقها اللذيذ والطبيعي والغني. ولهذا فان العديد من الدول المجاورة تنتظر موسميا استيرادها منه. وفي هذا الإطار، يتفنّن المزارعون في المناطق الزراعية والجبال والحقول، بزراعة أصناف يكاد ينفرد بها عن غيره من دول الجوار.
وتكتنز الفواكه الكثير من المعادن والفيتامينات الى جانب غناها بالألياف. ولكن مع نظام دولرة الأسعار، فان القدرة الشرائية للبنانيين ستكون هذا الصيف مقيّدة ومعدومة، ان لجهة شراء المنتجات المحلية او تلك المستوردة. ما يعني انها لن تكون متوافرة للجميع بسبب ارتفاع أسعارها، الامر الذي سيدفع بهم الى تقنينها وتقليصها، وصولا الى اسقاطها من لائحة الوجبات والمشتريات، والحاجة الملحة للمواطن تعتمد على الأولويات في ظل غياب الدولة وعجزها عن تحمل مسؤولياتها رقابيا وحتى رعائيا.
وما تجدر الإشارة اليه، ان هذا الامر سيؤثر في الصحة النفسية والجسدية والعقلية بسبب التقنين الشديد في تنوّع الأطعمة، التي يجب ان يستهلكها الفرد يوميا، والتي يوصي الغذائيون بها من اجل عقل وقلب وجسد صحي.
بالتوازي، اعتبرت نائب رئيس «جمعية حماية المستهلك» ندى نعمي في حديث سابق مع «الديار»، «ان دولرة أسعار السلع غير قانوني ولا يحمي المستهلك بل التجار، وهذا الامر سيؤدي الى الفوضى داخل الأسواق، وحمّلت مسؤولية ما يحدث لوزير الاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال امين سلام».
أسعار المنتج المستورد «نار»
شرح رئيس «تجمع المزارعين» في البقاع إبراهيم ترشيشي لـ «الديار»، «انه في كل عام من هذه الفترة يتم استيراد البطيخ قبل ان ينضج الإنتاج المحلي، ويكون سعره مرتفعا ومُؤذيا للمواطنين لعدم قدرتهم على الشراء». تابع: «هذا ان دلّ على شيء فيدلّ على جودة الإنتاج واهمية المزارع في المجتمع اللبناني، الذي يؤمّن الاستمرارية لهذا القطاع».
وتابع: «دائما نسمح باستيراد هذه الفاكهة في أوائل السنة وحتى ما قبل هذا التاريخ أي في شهري 11 و12 ولغاية الخامس من أيار ، ويعتمد ذلك على نضج الموسم في أراضينا، ويبدأ الإنتاج اعتبارا من 10 أيار من الجنوب وينتقل الى البقاع».
الإنتاج المحلي يكفي
واكد ترشيشي « ان الإنتاج المحلي يكفي السوق اللبناني برمته، وبدءاً من 10 حزيران ولغاية شهر تشرين الأول يلوح الإنتاج في كل من منطقتي القاع-الهرمل والبقاع عامة». وشدد « على ان البطيخ اللبناني كثير ويزيد على الاستهلاك المحلي، وعندما تسنح الفرصة لنا بالتصدير الى لخارج نقوم بذللك». وأشار « الى ان أسعار الإنتاج المحلي ستكون مختلفة عمّا هي عليه الآن، لان المتوافر حاليا في الأسواق مستورد وليس من انتاجنا».
وأضاف: « اما سعر البطيخ في أسواق الجملة كما علمت اليوم بعد جولة قمت بها، فقد سجل سعر الكيلو 100 ألف ليرة أي ما يعادل دولار أميركي واحد». واعتبر « ان السعر هذه السنة مرتفع مقارنة مع السنوات الفائتة، ولا يوجد اقبال من المواطنين على شرائه، لان الطقس ما زال باردا والناس تفضّله في أيام الحر الشديد، حيث تكون درجات الحرارة ملتهبة».
وطمأن ترشيشي «الى ان استيراد البطيخ في هذه الفترة لن يضر المزارع اللبناني بسبب عدم بدء الإنتاج المحلي، وعلينا عدم الافتراء على المستورد، لان المواطن اذا اعجبه السعر فحتما سيشتري، لافتا الى ان الاقبال والحاجة يتعلقان بالقدرة الشرائية للأخير، والمستورد يتحكم بالسعر، ومن المفترض ان نحافظ ونحمي مزارع البطيخ بإيقاف الاستيراد قبل نضج المحصول ب 15 يوما حتى لا يصار الى تخزين كميات كبيرة تؤثر في الموسم المحلي وتضربه، وذلك يكون بمراقبة الكميات التي يتم إدخالها الى البلد لكيلا تكون بمعدلات غزيرة تسمح للتاجر بالتخزين والمتاجرة على حساب الإنتاج الوطني».
وأردف: « البطيخ في السوق اللبناني سعره سيكون اقل من المستورد لأسباب متعددة منها الجودة، كما ان المستَوْرَد يكون بالفريش. ويشملل ذلك بدلات التنقل والتخليص ومعاملات كثيرة يجب القيام بها حتى يصل الى لبنان، الامر الذي يجعل الإنتاج الوطني في الصدارة».