مع الركود السياسي الداخلي الذي يخيّم على البلاد على عدة مستويات، تنشط الوفود النيابية في الخارج وتجول بين دولة وأخرى بسببٍ ومن دون سبب ولغايات مختلفة. والأكيد أن أحداً من هذه الوفود المتجوّلة والتي سنأتي على ذكرها لاحقاً، لم ولن تغيّر في الواقع اللبناني، لأنها وبكل بساطة لا تملك سلطة القرار، لا في الحرب والسلم، ولا في تحديد هوية الرئيس العتيد.
من واشنطن إلى باريس، زار الوفد النيابي المؤلف من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، والنواب: آلان عون ونعمة افرام، وياسين ياسين وأسعد ضرغام، واشنطن، بناءً على دعوة بمناسبة سنوية ينظمها النواب الأميركيون للنواب المسيحيين من كل العالم والمعروفة بـ National Breakfast Prayer . وعلى هامش الدعوة عقد النواب المذكورون سلسلة اجتماعات مع مسؤولين في الإدارة الأميركية والكونغرس، للبحث في ملف لبنان والحرب الدائرة على جبهتي غزة والجنوب. وقام الوفد نفسه بزيارة العاصمة الفرنسية باريس ولقاء مسؤولين فرنسيين بحكم انخراط فرنسا بالملف اللبناني، إن كان بشأن المساعي الفرنسية لتهدئة الوضع بين إسرائيل و”حزب الله” في الجنوب من جهة، وعمل “اللقاء الخماسي” الذي ينشط على خطّ رئاسة الجمهورية من جهة أخرى.
وفدٌ نيابي آخر غادر لبنان إلى بروكسل، ويتألف من رئيس لجنة الخارجية فادي علامة، والنواب: سيمون أبي رميا، وإيلي خوري وسليم الصايغ. هذا الوفد زار البرلمان الأوروبي بدعوة رسمية للحديث عن ملف النازحين السوريين، لا سيّما بعد القرارات الخطيرة التي صدرت عن البرلمان الأوروبي والتي لمّحت إلى رغبةٍ بتوطين النازحين ودمجهم في المجتمع اللبناني.
أمّا وفد النائب فؤاد مخزومي، فهو دائم التجوال والسفر، وإلى أكثر من دولة، لكن جميع الرحلات مُفتعلة من رئيس الوفد فؤاد مخزومي، والهدف منها تسويق مخزومي لترؤس الحكومة بدعم 72 نائباً، يمثلون الكتل التي ينتمي اليها النواب، روّاد رحلات طائرة مخزومي الخاصة.
لا شكّ أن مشهدية الحركة النيابية في الخارج وإن كانت متفاوتة الجدوى والفعالية حسب الوفود وطبيعة الإجتماعات، فهي كسرت الرتابة السياسية في الداخل وساهمت في إعادة إحياء موضوع لبنان في بعض أروقة مراكز القرار الدولية.
لكن في الوقت نفسه، لماذا لا نشهد مثل هذه التحركات في الداخل، طالما أن النواب المسافرين لا ينتمون إلى فريق سياسي واحد؟ لماذا لا تكون طحشتهم على السفر هي نفسها لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ووضع إصلاحات جدية تنهض بلبنان؟ ولماذا البحث دائماً عن إشارات الخارج بدل العمل على ما يحتاجه الداخل؟ وهل انعكست هذه الرحلات على واقع الشعب اللبناني الذي يعاني الفقر والعوز والبطالة وغيرها من الأزمات، التي لن تنتهي مع الضربات الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان؟
يبدو أن ما كان يتمتع به رئيس مجلس النواب نبيه بري بقدرته على جمع الخصوم ونسج خطوط الحوار والتواصل بين الأفرقاء السياسيين، باتت تتمتع به طائرة تنقل نواب الأمة إلى دول وعواصم القرار، في حين أن بداية الحل يكمن في ساحة النجمة حيث مقر مجلس النواب.