هذا زمن «البالة» بامتياز، لا منازع له اليوم. تنتشر أسواقه بشكل لافت. كثر لجأوا إليه كمورد رزق، جرّاء ارتفاع الطلب عليه. إذ تُشكّل هذه الأسواق الملاذ الأرخص والأوفر للفقراء. في «بالة» النبطية تتعرّف إلى واقع الناس عن كثب. سيّدة تبحث عن حذاء رخيص. أمّ تجر أولادها في رحلة بحثها بين الملابس المتكدسة على الأرض عن أي قطعة مناسبة للعيد. ودّع الناس موسم الرفاهية، ولّى إلى غير رجعة.
تقول مُدرّسة التربية الوطنية سهام إن «قدرتها الشرائية تقهقرت، بعدما كانت تشتري سلعها من أهم المحال التجارية، لم تعد تجد أمامها سوى البالة». ترى أنّ «أسواقها انتعشت مجدّداً، بعد أفول الخيارات أمام الناس». عشرات البسطات تعرض ملابسها وأحذيتها وأدواتها الكهربائية والمنزلية المستعملة، تنتشر داخل السوق. يتوزّع الباعة بين الشباب وكبار السنّ. فرصة، فتحت كوّة في جدار البطالة. مصدر رزق في زمن تحلّل العملة الوطنية.
«في هذه الأسواق الشعبية، يتمكّن الناس من شراء بنطال أو كنزة بدولار» وفق أماني نحولي. هذا الواقع يصعب توفّره في المحلات التجارية الأخرى، «أرخص قطعة تبدأ من 13 دولاراً وطلوع». تعرض أماني بضاعتها الأوروبية، تحاول استمالة الزبائن، لم يمض وقت طويل على دخولها هذا العالم. منذ ثلاثة أشهر فقط «حين ضاقت بنا السبل، اتجهت نحو سوق البالة، الذي شهد تقدّماً ملحوظاً في الأشهر الماضية، فاتحاً أمامنا فرصة نجاة في تأمين لقمة العيش. يكفي أن أسعاره شعبية».
«العزّ للبالة» أمر يؤكده معظم الرواد. تبحث سلفانا بين أكوام الأحذية عمّا يناسب ولديها، فالحذاء بدولار، تريد أن ترسم فرحة على ثغرهما. تقول: «لا يعرفان معاناتي… أطفال»، مضيفة أنّ «الظروف لا تسمح بشراء ملابس أو أحذية جديدة». كثيرون مثل سلفانا قصدوا البالة عشية الأعياد، قرّروا زرع البهجة في قلوب أطفالهم. يشير أحمد (أحد أصحاب البالة) آتياً من صور لعرض بضاعته في النبطية، إلى أنّ «موسم العيد لا بأس به، ليس كما كنا نتوقع، غير أنه يعول على الأيام الأخيرة». يعرض أحمد بضاعته «القطعة بدولار»، يحظى باستقطاب الزبائن. تؤكّد مروى «من وين ممكن نلاقي قطعة بدولار وماركة أوروبية»، غير أنها تلفت إلى «عدم توفر السلع الكافية والنوعيات المتعددة كما كانت عليه في السابق». يعزو أحمد السبب إلى «اختلاط الموسمين الصيفي والشتوي، ما يجعلنا نعرض ما تبقى من بضاعة».
في كل الحالات، تُشكّل «البالة» عصباً اقتصاديّاً حيويّاً. غالبية روادها هم من النازحين السوريين، الذين أصبحوا يشكّلون القدرة الاقتصادية الأوفر حظاً. ينتظرهم التجّار أكثر من اللبنانيين، حتى أن العديد من الباعة هم من السوريين. هؤلاء يقتنصون كلّ فرصة عمل. يشير خلف الخلف إلى أنّ «الناس تلجأ إلى البالة كون أسواقها مفتوحة وشعبية، فربّة المنزل التي لديها أربعة أولاد لن تجد أمامها سوى البالة»، غير أنه يرى أن «الموسم خفّ وفضح المتوقع». هذا الواقع يتقاطع أيضاً مع غنوة التي كانت تنتظر موسماً كبيراً ولكن ظنّها قد خاب، فالناس لم تعد قادرة حتّى على البالة، همّها في مكان آخر.