على إيقاع التطورات الدراماتيكية في واشنطن، تبدو المسارات السياسية على خطّ المفاوضات للتوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة معلّقة، وسط أجواء من الترقّب الشديد، لما سيسمعه بنيامين نتنياهو من الإدارة الأميركية المنغمسة بالسباق الرئاسي مع استعداد الرئيس جو بايدن للرحيل وتسليم نائبته كامالا هاريس مهمة الترشح بوجه الرئيس دونالد ترامب. والعنوان الرئيسي الذي يحمله نتنياهو، ليس وقف النار بالدرجة الأولى، أو وقف الحرب التي يشنّها على غزة وجنوب لبنان، بل الدعم الأميركي “الموعود”، ولكن من دون أي مقابل.
وإذا كان القرار الأميركي، تركّز على مدى الأشهر الماضية من حرب غزة، حاسماً لجهة عدم امتداد شرارتها من غزة إلى جنوب لبنان، فإن طمأنته اليوم سواء من أعضاء الكونغرس الذين سيتحدث أمامهم أم من بايدن نفسه، لن تحمل سوى المزيد من الفوضى والتفلّت في حربه التي لا تزال مضبوطةً اليوم في ضوء تقاطع أميركي ـ إيراني، تتحدث عنه معلومات ديبلوماسيين مواكبين للموقف الأميركي، قبل تنحي بايدن وخلط الأوراق في الإستعدادات الأميركية للإنتخابات الرئاسية بعد أشهر معدودة.
مجموعة معطيات برزت في الساعات ال48 الماضية، طرحت أكثر من علامة استفهام، على وقع مضمون تقارير ديبلوماسية، تعتبر أن نتنياهو، كان في وضع الذي “لم يعد لديه ما يخسره، وسيرتدّ إلى لبنان، عاجلاً أم عآجلاً”، إنما شيء ما تغيّر ولم يعد هناك من مسار واضح قد يعتمده في جنوب لبنان، وسط مجموعة من الخيارات العسكرية التي يجري الحديث عنها بالتوازي مع الخيارات الديبلوماسية التي لم تُسحب بالكامل بعد عن الطاولة، على الأقل في بيروت.
لم تعد مبادرة بايدن التي باءت بالفشل، بحاجةٍ إلى تبرير من قبل نتنياهو، وإن كان الديبلوماسيون يدركون أن المشكلة الحقيقية تكمن في استمراره بالحرب بهدف البحث عن نصر كاد أن يكون سراباً في قطاع غزة، وقبل أن يسعى إلى نقل بحثه هذا إلى جنوب لبنان، حيث التدمير الكامل يبقى حتى اللحظة، النهج الإسرائيلي المعتمد لخلق منطقة عازلة عبر النار والحرائق والدمار الممنهج للقرى الحدودية.
أيام معدودة وينتهي شهر تموز، الذي كان محدّداً كفرصة أخيرة لوقف النار وتهدئة جبهات الإسناد في المنطقة، وفي مقدمها جبهة جنوب لبنان، وذلك قبل دخول الإدارة الأميركية مدار الإنتخابات الرئاسية، إلاّ أن تحقيق هذا الأمر بات بعيد المنال، وأنّ محاولات نتنياهو استدراج الإدارة الأميركية معه في الجولات المقبلة من الحرب، ستبقى قائمة، بعدما باتت المعركة بالنسبة إليه مصيرية.
وقياساً على هذه المعطيات، فإنه لا يمكن إغفال المخاوف لدى الديبلوماسيين اللبنانيين، من أن أي دعم سياسي وعسكري أميركي له، سيضع لبنان في عين العاصفة، ويُخرج الجبهة من ضوابط الإشتباك، التي حكمت هذه الجبهة في الأشهر ال9 الماضية.
فالضغوط الأميركية تضعف، والتناغم بين نتنياهو وترامب واضح، ما يُنذر بخلط الأوراق التي يحملها نتنياهو إلى الكونغرس وإلى النواب الجمهوريين والديمقراطيين معاً، حيث أن نتنياهو سيطرح أولاً عدم الإعتراف بالدولة الفلسطينية، وثانياً المطالبة بالمزيد من الدعم لمواصلة حربه، وثالثاً سيطرح الملف النووي الإيراني.
وفي انتظار استكشاف ما يمكن أن يحصل عليه نتنياهو، لا يمكن إسقاط سيناريو الحرب على لبنان الذي يهدّد به نتنياهو من أجل وضع الأميركيين من الحزبين المتنافسين على الرئاسة وليس على دعم إسرائيل، أمام أمر واقع بدأ يضغط باتجاه فرضه على الحدود مع لبنان، وإن كان الجميع في لبنان يستبعده ولكن لا ينزعه من الحسابات.