خاص – جريدة الجلسة
تعتبر قضية التحرش الجنسي من أكثر القضايا التي تثير الجدل في المجتمعات العربية والعالمية، فالتحرش الجنسي يؤثر على الضحية بطرق مختلفة سواء على المستوى النفسي أو الجسدي. ومن هذا المنطلق، أثارت حادثة التحرش التي حدثت مع فتاة في بيروت قضية التحرش الجنسي مرة أخرى، وأعادتها إلى الواجهة مما يدل على أهمية التحدث عن هذا الموضوع.
وفي هذا الصدد أجرينا حوارًا خاصًا مع المعالجة النفسية، الدكتورة ماري الخوري. والتالي هو نصّ الحوار:
ما هي المراحل النفسية التي تمر بها الفتاة بعد تعرضها للتحرش اللفظي أو الجسدي؟
سأبدأ إجابتي بِملاحظة مهمة جدًا، هي أن التحرش إن كان لفظيًا او إعتداء جسديًا ليس حكرًا على النساء فقط. الذكور والإناث ما بين ٥ و١٠ سنوات يتعرضون بفارق بسيط للاعتداءات. هناك عدد كبير من الفتيان سجّلوا في مذكراتهم تعرضهم للتحرش.
والملاحظة الثانية هي من الأبحاث التي أُجريت على دول عدة: ٩٩% من المغتصَبين قد تعرضوا للإغتصاب من قبل المقربين لهم أي اخ، عم، خال أو جدّ و ٥٠% من المغتصِبين هم من الآباء نقصد الأب أو زوج الأم.
والذي تعيشه المرأة أو الفتاة بعد هكذا حادثة هو صدمة، وتعيش تخبّطات على كل المستويات النفسية والجسدية وسلوكية وعقلية. إنها صدمات متشابهة لأي نوع صدمة يعيشها الإنسان وتعتبر الصدمة الجنسية من أكبر الصدمات التي تترك أثراً على كل مسار المرأة.
تعيش الأنثى بعدها في حالة من الانعزال، فالعيب والخجل يجعلانها تنعزل عن العالم فورًا. وحتى داخل عائلتها ومنزلها تنفرد مع الشعور بالذنب والصمت المخيف، بالإضافة إلى الكآبة والحزن، ويبدأ عقلها باجترار الحدث بشكل كارثي ومضخم، وتعيش باستباق للمستقبل وكأن لا شيء سيعود كما كان.
لقد ذكرتِ الٱن أن الفتاة تعيش خربطات، فعلى أي مستوى تحدث؟
هناك مستويات عدة ومتفاوتة.
المستوى الجسدي: يتزايد هرمون التوتر بشكل غير مسبوق وغير طبيعي وهذا يؤدي إلى أوجاع كثيرة متفرقة في الجسم كما تنخفض المناعة وتصبح عرضة للكثير من الأمراض مثل الكولسترول، السكري أو حتى مرض السرطان. بالإضافة إلى الخربطة في وظائف أعضاء الجسم مثل الشعور الدائم بالتقيؤ أو النوم.
المستوى العقلي: انعزال وقطع كل العلاقات مع الناس أو عيش حالة عنيفة. أي أمر يمكن أن يجعلها تشعر بالغضب وتقوم بِردّات فعل عنيفة ضد نفسها أو الآخرين مع انعدام الثقة بالجميع.
المستوى النفسي: تغيّر صورتها عن نفسها وتسيء إليها. مما يهز ثقتها بِنفسها، بِقدراتها، بِجمالها وذكائها، وكأن صورتها عن ذاتها تتشوه إلى أقصى حد. كما الشعور بالقلق المبالغ فيه، ترى القلق بشكل غير عقلاني ومن شخص لا يمكن أن يسيء لها او أن يعتدي عليها، ما يخلق عندها شعوراً بالعجز وبالتالي كآبة. والشعور بالذنب يسيطر كأنها هي السبب بِتحرشه بِها وأن قرار المقاومة والمنع كان بيدها. وقد يقود هذا الشعور إلى الانتحار أو تعاطي المخدرات للأسف..
هذا عدا عن نشوء وسواس قهري بالنظافة كأنها دائما غير نظيفة. تغسل يديها مرات عدة ومتتالية. وإذا دخل أي رجل/شاب على غرفتها أو جلس على كرسيها، تقضي يومها بأكمله تنظف ذلك المكان أو ذاك الكرسي. إنه “التنظيف المرضي”.
وهناك فتيات تكون ردة فعلهن عكسية إذ يتمادين كثيرًا في علاقاتهن، كما بينت الدراسات ان 90 ٪ من بائعات الهوى قد تعرضن للتحرش الجنسي في صغرهن.
تضامن النساء أو الفتيات مع بعضهن ونشر قصصهن لهُ بُعد إيجابي أم سلبي على الفتيات ؟
كل أنثى لديها ردة فعل خاصة لا تشبه أنثى أخرى وتختلف حسب العمر والبيئة الاجتماعية. سأصنّف مجموع ردات الفعل إلى فئتين:
الفئة الاولى: عندما تسمع بعدد كبير من النساء تعرضن لحادثة التحرش تشعر بانفعال التعاطف. كما تشعر إنها ليست وحدها في هذا العالم وأنه شيء طبيعي قد يحدث لأي شخص وتحجّم الحادثة.
أما الفئة الثانية: تكون تركيبة جسمها لديها استعداد كبير للقلق وتعظيم أي مشكلة، وكل قصه تقرأها تكون احداثها تراكمية عليها فتحمل داخلها قصه المرأه الاخرى ما يزيد الوجع داخلها.
هل اليوم يوجد تقنيات للعلاج تساعد المرأة على تخطي مشكلتها ولو بعد مرور الوقت؟
أكثر النساء المشهورات من ممثلات، مغنيات أو عارضات الأزياء يتعرضن للتحرش من قبل المخرج، المنتج، رب العمل أو المدير. لكنهن يصمتن، اولًا خوفًا من فقدان المسيرة المهنية أو خوفًا من الذل والعار أو التنمر. كما أشارت الدراسات أن الصمت عن حادثة التحرش الجنسي يبقى إلى ما يقارب عمر ٢٥ و٣٠ سنة بدون الإفصاح عنه. اذًا هناك امكانية كبيرة للعلاج كما أن تقنيات العلاج في يومنا هذا كثيرة ومتنوعة وأغلب التقنيات الحديثة مبنية على تقدم العلوم النيرولوجية، ومنها إدخال المريض النفسي إلى التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني حيث يروي قصته وبالتالي نرى اي قطعة من دماغه تتحرك مع زيادة دقات القلب، الكورتيزول وضغط الدم. أي مراقبة كل التغيرات التي يمكن أن تطرأ لحظة بِلحظة.
وسأذكر اثنين منها:
التقنية الاولى ال EMDR هي تقنية تغيير برمجة الدماغ من السلبي الى الإيجابي اي من الكآبة إلى السعادة مثلًا.
التقنية الثانية TCC هي علاج نفسي قائم على اعادة قراءة الحدث بطريقة منطقية أكثر، ما يساعد على تخطي الموضوع.