رغم تأكيد الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن “ذاكرته جيدة”، إلا أن التقرير الذي أصدره المدعي العام الخاص، روبرت هور، أعاد إلقاء تسليط الضوء على “الذاكرة الضعيفة” للرئيس الذي يسعى لإعادة انتخابه قبل نهاية العام الحالي.
المدعي العام الخاص هور برأ الرئيس الديمقراطي من سوء التصرف بالوثائق السرية، إلا أنه قال في تقريره إن بايدن بدا “رجلا مسنا بنوايا حسنة مع ذاكرة ضعيفة”.
وقال هور في تقريره إنه نظرا إلى تراجع حدة بايدن الذهنية فان أي هيئة محلفين لن تجده في أي حال من الأحوال مذنبا على صعيد هذه الوثائق.
وتم تعيين هور مدعيا عاما لمقاطعة مريلاند، عام 2017، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، قبل أن يعهد إليه ميريك غارلاند وزير العدل في حكومة بايدن التحقيق في قضية الوثائق.
وبدا بايدن في خطاب مفاجئ ألقاه، الخميس، في غاية الغضب بسبب التقرير الذي ورد فيه أنه غير قادر حتى على تذكر تاريخ وفاة ابنه بو، في عام 2015، فضلا عن محطات رئيسية أخرى في حياته.
وأضاف جاهدا لكبت تأثره “ثمة إشارة حتى إلى أني لا أذكر تاريخ وفاة ابني. كيف يجرؤ على ذكر ذلك؟”.
وفي الوقت الذي كان يسعى فيه بايدن الذي تجاوز الثمانين من عمره لإثبات قوته العقلية، إلا أن “زلة لسان” جعلته يفقد كل الزخم الذي تحدث به في خطابه، إذ أشار عن طريق الخطأ إلى الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، عند الحديث عن حرب غزة على اعتبار أنه “رئيس المكسيك”، بحسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
حملة بايدن لإعادة انتخابه تتبع استراتيجية تقول فيها للناخبين إن الخيار في انتخابات تشرين الثاني يكمن بين رئيس حتى لو كان هناك شكوك بسبب كبر سنه، أو بين رئيس يمثل تهديدا للديمقراطية والحريات، أي منافسه الرئيس السابق، دونالد ترامب، وفقا لوصفهم.
وهذا قد يمثل “أزمة” للديمقراطيين لأنهم لم يقدموا أي بديل جاد في السباق التمهيدي، ولهذا يعتمدون على بايدن، وقدرته على إقناع الناخبين بأنه لا يزال قادرا على تولي المنصب لفترة أخرى وفقا للصحيفة.
وتشير إلى أنه رغم جميع نقاط الضعف والجدل التي يعاني منها المنافس الجمهوري السبعيني، ترامب، إلا أنه لا يمكن لأي شيء أن يجعل عمر بايدن أصغر.
ديفيد أكسلرود، الخبير الاستراتيجي السابق لباراك أوباما والذي برز ضمن الحزب الديمقراطي محذرا من كيفية نظرة الناخبين إلى عمر بايدن، قال للصحيفة إن “تقرير المحقق الخاص كان مقلقا للغاية بالنسبة للديمقراطيين.. لأنه يصل إلى جوهر ما يعاني منه بايدن سياسيا”.
وأشار إلى أن المخاوف تتسع حيال هذا الأمر.
وأضاف أكسلرود أن “أكثر الأشياء ضررا في السياسة هي الأشياء التي تؤكد شكوك الناس الموجودة مسبقا، وهي التي تنتقل بسرعة كبيرة.. إنها مشكلة”.
ورفضت إدارة الحملة الانتخابية لبايدن التعليق على الموضوع.
وبررت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، زلة لسان الرئيس الأميركي عندما خلط في حديثه بين الرئيس المصري والمكسيكي، بأن الأمر يتعلق “بجوهر القضية المطروحة”.
وقالت جان بيير في رد على استفسارات الصحفيين، في مؤتمر صحفي، الجمعة، إن بايدن “أخطا في التعبير كما قد يفعل الكثير منا”، مشيرة إلى أن “له علاقات طويلة مع القادة” وأن علينا “أن نتذكر أن الأمر يتعلق بجوهر القضية المطروحة”، إذ أنه كان “واضحا في الحديث عن مصر واسم الرئيس السيسي”.
وأضافت أنه “استعرض بوضوح سياساته والقضايا الأوسع بالتفصيل”، مؤكدة أنه “يتمتع بخبرة اكتسبها، إذ كان عضوا في مجلس الشيوخ لـ36 عاما، وكان نائبا للرئيس الأميركي ثمانية أعوام”.
وانتقدت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، الجمعة، تقرير المحقق الخاص معتبرة أن هناك دوافع سياسية وراء التشكيك في عمر الرئيس وذاكرته.
وقالت هاريس عندما سُئلت عن تقرير المحقق هور: “الطريقة التي تم بها وصف سلوك الرئيس في ذلك التقرير لا يمكن أن تكون مغلوطة أكثر، ومن الواضح أن دوافعها سياسية”.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، إيان سامز، الجمعة، في مؤتمر صحفي: “عندما يكون الاستنتاج الحتمي أن الحقائق والأدلة لا تدعم أي اتهامات، لا يبقى أمامك سوى أن تتساءل لماذا يستهلك هذا التقرير وقتا في توجيه انتقادات بلا مسوّغ وغير مناسبة للرئيس؟”.
وسارع خصوم بايدن الجمهوريون إلى استغلال ما ورد في التقرير، بحسب فرانس برس.
وقال رئيس مجلس النواب الجمهوري، مايك جونسون: “إن رجلا لا يمكن محاسبته على سوء التعامل مع معلومات سرية غير أهل بالتأكيد للمكتب البيضوي”.
من جهته، قال البرلماني الجمهوري عن أوكلاهوما، كيفن هيرن، إن “رجلا مسنا ذاكرته ضعيفة يجب ألا تكون لديه شيفرة السلاح النووي”.
وطالبت شخصيات من المعسكر الجمهوري بتطبيق البند 25 من الدستور الذي يتيح إنهاء مهام الرئيس في حال لم يكن قادرا على توليها.
وقالت مارجوري تايلور غرين، الموالية لترامب إنه “إذا لم يكن جو بايدن قادرا على مواجهة محاكمة، فهو بالتأكيد غير قادر، عقليا، على أن يكون رئيسا للولايات المتحدة”.
كل شيء يشير إلى أن بايدن سيواجه، في تشرين الثاني، الرئيس الجمهوري السابق الذي أطلق عليه في الماضي لقب “جو النعسان” ويعمد إلى تقليده خلال تجمعاته الانتخابية، فيصوره كخصم تائه ومشوش.
يبدو أن الناخبين أقل اهتماما بعمر المرشح الجمهوري (77 عاما) الذي يمر أيضا بلحظات من الارتباك، لكنها لا تحدث ضجيجا كبيرا متل تصريحات بايدن.
تطرق بايدن على سبيل المثال في نهاية الأسبوع الماضي إلى محادثة قال إنه أجراها، في عام 2021، خلال قمة مجموعة السبع مع الرئيس الفرنسي، فرنسوا ميتران، الذي توفي منذ فترة طويلة، إذ كان يقصد الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون.
وارتبك هفوة أخرى، الأربعاء، إذ قال إنه تحدث في نفس الاجتماع الدولي مع المستشار الألماني السابق، هيلموت كول، الذي توفي عام 2017، عوضا عن أنغيلا ميركل.
كل واحدة من هذه الهفوات تعيد إحياء الجدل حول سن الرئيس الأميركي وقدراته.
وكان طبيبه أكد في تقرير مفصل جدا نشر قبل سنة أن بايدن “في وضع صحي جيد”.
لكن علامات التقدم بالسن تظهر فعليا على الرئيس الأميركي بشكل متزايد، فمشيته متصلبة ونظرته مشتتة في بعض الأحيان، وهو الآن يستقل أقصر سلم في غالب الأحيان للصعود إلى طائرته، وفق ما ذكرته فرانس برس.
في استطلاع حديث نشرته شبكة “إن بي سي” عبر 76 في المئة من الناخبين الذين شملهم الاستطلاع عن قلقهم بشأن قدرة جو بايدن الجسدية والعقلية على تأدية ولاية ثانية مقارنة بـ48 في المئة فقط بشأن دونالد ترامب.
ودافع الديموقراطي الذي طرح فكرة أن يكون رئيسا انتقاليا خلال حملته الانتخابية عام 2020، عن قراره الترشح مرة أخرى، الخميس.
وقال: “أنا أكثر شخص مؤهل في الولايات المتحدة لأكون رئيسا وانجز المهمة”.