هي الجولة الإعلامية الرابعة خلال السنوات القريبة الماضية التي يقيمها المسؤولون عن المدينة الرياضية لإطلاع الرأي العام على واقعها. وفي كل جولة، يكون الوضع «أضرب» من الجولة السابقة.
المكتوب يُقرأ من عنوانه. حين تضطر إلى الاستعانة بإضاءات الهواتف الخلوية للوصول إلى الملعب عبر الممر السفلي، وحين يتبرّع الزميل رياض الترك بمصباح «على البطارية» موجود في سيارته للتنقل داخل غرف وقاعات الملعب، فحينها تعرف أن كلمة مزري لا تعكس حال المدينة الرياضية فعلاً. حين تكون الجولة داخل الغرف والقاعات «محفوفة بالمخاطر» خوفاً من التعثّر بالمخلّفات أو من أن يحتاج المرء إلى «إبرة كزاز» في حال إصابته جراء الأشياء الحادة الكثيرة المتناثرة على أرض القاعات والغرف، فحينها يعجز اللسان عن وصف الواقع.
معظم مرافق المدينة الرياضية محطمة أو مهملة أو حتى منهوبة! من الممكن أن تجد كل ما يخطر على بالك من علامات الإهمال. حطام أسقف، شرائط متدلّية، مراحيض محطمة، مياه سائبة، روائح عفنة… حتى سجّاد يعاني من الفطريات. من المعلوم أن الفطريات تصيب جلد الإنسان، لكن للمرة الأولى تجد فطريات تغزو السجاد المفروش على الأرض.من المستحيل أن تكون أسباب ما وصلت إليه حال المدينة هما «الكليشيهان» اللذان كانا الأكثر تداولاً خلال الجولة: إنفجار بيروت وعدم قدرة الدولة على تأمين الأموال… هذان «الكليشيهان» قد يبرران جزءاً من المشكلة. فانفجار المرفأ حصل في آب 2020، والأزمة المالية بدأت في تشرين الأول 2019. لكن ما هو حاصل في المدينة الرياضية من إهمال وخراب لا شك أن أسبابه تعود سنوات إلى الوراء. فحين تكون كلفة
تأهيل المدينة الرياضية بجميع مرافقها الداخلية والخارجية هي حوالي 48 مليون دولار، وفقاً لدراسة قام بها مجلس الإنماء والإعمار عام 2018 كما قال عويدات، فلا شك أن المشكلة أكبر من انفجار وميزانية.
يواصل الإعلاميون جولتهم مع شرح من المدير العام محمد عويدات ومدير الأنشطة في المدينة عماد زين الدين (أبو شاكر)، إضافة الى رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للمنشآت رياض الشيخة، والذي كان مديراً للمدينة (رئيس مصلحة) منذ 2003، وبعدها مديراً عاماً ورئيس مجلس إدارة للمؤسسة من 2019 حتى بداية العام الحالي. قد ترى الحزن والأسف في أعين عويدات أكثر مما هما في أعين بعض الزملاء الإعلاميين. فهذه هي الجولة الرابعة لهم، وبعضهم اعتاد هذه المناظر، لكن بالنسبة إلى عويدات هي الجولة الأولى مع الإعلام. المسؤولية كبيرة على عاتقه. يعلم الجميع أنه لا يتحمل مسؤولية في ما وصلت إليه الأمور.. فالمشكلة متجذّرة في المدينة الرياضية ومعالجتها تحتاج إلى حلول استثنائية.
تتراوح الكلفة بين 600 ألف ومليون دولار، لتأهيل المرافق المطلوبة بالحد الأدنى لإقامة المباريات
هذه الحلول كانت محور حديث «الأخبار» مع عويدات عقب انتهاء الجولة، مع سؤال رئيسي: ماذا ستفعلون وما هو الحل الأسرع لموضوع المدينة الرياضية؟
يبدأ المدير العام للمؤسسة العامة بالتكليف حديثه من الضوابط الإدارية والقوانين التي تُلزم العاملين اتباعها، ويقول: «هناك نقاش مع هيئة الشراء العام لإيجاد أسرع السبل لتسريع عملية تأهيل المدينة وتسهيل الإجراءات كي يبدأ العمل. لا مفر من الاستعانة بالقطاع الخاص نتيجة وضع الدولة الصعب».
وعن الأطراف التي بادرت إلى عرض استثمار فهي الاتحاد اللبناني لكرة القدم ونادي النجمة. «رئيس الاتحاد هاشم حيدر مهتم جداً بموضوع المدينة الرياضية، وهو أرسل مهندسين للكشف عليها لتحديد متطلبات تأهيلها، لكن نحن بانتظار ما ستؤول إليه النقاشات مع هيئة الشراء العام» يقول عويدات لـ«الأخبار». ويتحدث عويدات عن بند موجود في نظام الاستثمار في مصلحة المدينة الرياضية التي تحوّلت إلى مؤسسة عامة في أيلول 2019، ينص على أنه يحق لمجلس الإدارة أن يعهد إلى أفراد أو شركات لاستثمار مرافق المؤسسة، مع اشتراط موافقة وزير الوصاية ووزير المالية، على أن يتم العرض على مجلس الوزراء. لكن بعد صدور قانون الشراء العام، أصبح هناك نقاش مع رئيس الهيئة الدكتور جان العلّية حول هذه المادة ومدى إمكانية تطبيقها دون العودة إلى هيئة الشراء العام. «لم يكن الدكتور جان سلبياً على الإطلاق، ونحن نستوضح وندرس الاجتهادات لمعرفة الطريقة الأمثل والأسرع لوضع موضوع استثمار الملعب على طاولة البحث» يجيب المدير العام محمد عويدات.
يرفض الأخير تحديد مهل زمنية، «فأنا لا أستطيع قطع وعود. فنحن نعمل بسرعة، لكن لا أستطيع تحديد تاريخ». وعن الكلفة المتوقعة لتأهيل مرافق وأرضية ملعب المدينة الرياضية لإقامة مباريات عليه، يجيب عويدات «تتراوح الكلفة بين 600 ألف ومليون دولار، لتأهيل المرافق المطلوبة بالحد الأدنى لإقامة مباريات، مع وجود مشكلة مياه الريّ بسبب كلسيّة مياه ملعب المدينة الرياضية، ما يفرض شراء مياه حلوة بشكل هائل».
وعن مسألة وجود قطعات للجيش اللبناني في المنشأة وتأثيره، يفيد عويدات بإمكانية تنظيم هذا الوجود عبر الجلوس مع قيادة الجيش.
انتهت الجولة، لكن المشكلة لم تنتهِ وإن كانت خريطة طريق حلّها تبدو واضحة. إما عبر إذن من هيئة الشراء العام بعد اتباع المسار الإداري والقانوني، وهذا قد يتطلب وقتاً طويلاً، أو عبر قرار استثنائي من مجلس الوزراء يسمح لمجلس إدارة المدينة الرياضية بمنح الملعب لمستثمرين من القطاع الخاص، وهذه هي الطريق الأسرع، لكنها تفتح الباب على مجلس الوزراء للعديد من القرارات المماثلة لمرافق أخرى.