للسنة الثانية على التوالي يفتعل الرئيس سعد الحريري ضجةً، حول قرار زيارته لبنان لإحياء ذكرى 14 شباط. يحدث ذلك في ظل غربته السياسية والجسدية وابتعاد تياره عن مزاولة أي نشاط سياسي. للسنة الثانية أيضاً، يثبت أن سعد الحريري يناسبه افتعال “شارعه” ضجةً، لإظهار ثبات حضوره. وللموسم الثاني أيضاً، يتعاطى شارعه معه على أنه ما زال زعيماً حاضراً.
ما يمنح الشارع الحريري جرعة أمل، إستمرار المقربين من “الشيخ سعد” بمزاولة نشاطهم كالمعتاد. بعضهم أفاده الغياب السياسي فوسّع الخدمات الإجتماعية. ومع كل مشروع أو مبادرة يظهر طيف الحريري في عمق المشهد.
خلال الإنتخابات النيابية الماضية، عمل المقرّبون من الحريري بشكل واضح وبالرغم من قرار “التيار الأزرق” مقاطعة الإنتخابات، على تفشيل حالات “فرّخت” على كعب المستقبل. خلال أو على هامش جلسات بيروتية، لا يخجل “عتاعيت” التيار الأزرق، من الإعلان أنهم في المرصاد لأي حالة وراثة شاذة. كتعبيرٍ عن نواياهم، لا ينكرون الأدوار في إسقاط اللائحة المدعومة من رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، ببساطة لأنه أراد وراثة “بيروت والشيخ رفيق على ظهر الشيخ سعد”، وعلى تطويق حضور آخرين أمثال الوزير السابق محمد شقير، ببساطة لأنه “حاول التسلّل إلى الحالة البيروتية خارج العاصمة، مستنسخاً منظومة خدمات أنشأها الرئيس الراحل”، والنائب فؤاد المخزومي، “لأنه فتح تجارة تحت إسم الشيخ رفيق”، وصولاً إلى “فتح مشكل” داخل دار الفتوى وفي اتحاد العائلات البيروتية “كرمى لعيون الشيخ سعد”.
وإن لم يكن “دولته” في وارد خوض غمار هذه المعارك، لكنه يترك لـ”حراسه” إدارة شؤون الطائفة والسهر على مصالحها، وشرطه الدائم المحافظة على حد أدنى من التفاهم بينهم.
الآن، يبدو أن هؤلاء مصرّون على إخراج الشيخ سعد من شرنقة “الإعتزال” المسمى اعتكافاً. ويبدو أنهم بدأوا يلمسون تطوراً في مقاربته للمسار الحالي ونضوجاً فكرياً وعملياً لا بدّ أن يقود إلى تحولات جذرية. الأساس يبقى في اتباع خطوات مدروسة لا تجد من يفسّرها على أنها بمثابة رد فعل على فعل حصل في السابق، أو أن “دولته” في وارد اتباع سياسة الإنتقام. لا ينكر هؤلاء أن الأجواء المحلية السائدة، بما فيها التطورات على صعيد الإقليم، تخدم نظرية عودة “الشيخ سعد” إلى الحياة السياسية. ما يبقى، بعض التفاصيل التي تحتاج إلى تخمير على درجة حرارة خفيفة.
كلامٌ كثير قيل ويُقال حول “الرجعة” الحالية في 14 شباط القادم، والطريق المرسوم لها، أو ما ستؤدي إليه، وعن ظروف تدشين هذه العودة. الأكيد أن أياً من تلك الطرقات لا يمرّ على ظهر ضريح والده. لا يريد سعد الحريري تكريس الضريح على أنه باب من أبواب تأمين المشروعية السياسية. يقال أنه لولاها ما كان زعيماً. يُرد بأنها خدمته خلال فترة، لكن الزمن تغير، وسعد الحريري الجديد مختلف!
طبقاً للمعلومات، فإن زيارة “إحياء الواجب وقراءة الفاتحة” لن تكون خاطفة، كما أنها لن تحمل دلالات إصباغ سياسي وإن تخللتها زيارات، ولن تكون معبراً لتكريس العودة وإن شهدت تحركات، إنما باب لإظهار الحضور وتأكيد على أن ما أرساه الشهيد رفيق الحريري لم يمت.
في أوساط العائلات المقرّبة من الحريرية السياسية، يسري حديث حول الإنتخابات البلدية المتوقع إجراؤها خلال الربيع المقبل (مبدئياً إن لم تحدث متغيرات تؤدي إلى تأجيلها مرة ثالثة) كمحطة أساسية لتكريس عودة الحريري إلى الحياة السياسية. ولهذه الغاية يلاحظ نشاط انتخابي واضح لـ”الجو الحريري” سواء داخل العاصمة أو داخل مناطق “الثقل السني” استدعى متابعته وتحليل أبعاده من قبل الخصوم السياسيين، خصوصاً وأن “الإختيار البلدي” يعني خروجاً من قمقم المقاطعة، وتحضير جدي للإستحقاق النيابي عام 2026. بالنسبة إلى الأوساط الحريرية، الأرقام وحدها تعطي المشروعية لعودة الحريري. لذلك بدأ الإعداد منذ الآن من أجل الشروع في رسم استراتيجة لكيفية خوض هذه الإنتخابات، ولن يكون تيار المستقبل طرفاً فيها، إنما سيقع الحمل على “شباب الحريري” أو جوّه”.
على الأعمّ الأغلب، ستشكل هذه المرحلة محطة على الطريق إلى العام 2026 موعد الإنتخابات النيابية. ما ستكرّسه محطة البلديات سيرسم مستقبل استحقاق 2026 وبالطبع يؤسس لعودة الرئيس الحريري. على هذه الطريق أيضاً، سيكون العمل شاقاً على خط إسقاط ما تسمّى “الحالات الشاذة”. في طريق عودة الحريري لن يكون هناك زعامات محلية ناشئة على ظهر الحريرية، ولا حتى زعامة مركزية!