في يومنا الحاضر كثيرون هم من يطلبون المساعدة من معالجين نفسيين، فبعضهم اكتشف أن هناك ما يزعجهم في نفوسهم، وآخرون حملهم اليأس إلى أفكار انتحار تراودهم وغالبيتهم من الأولاد والمراهقين. هلا سألنا أنفسنا لماذا هؤلاء هم الفئة الأكثر حاجة للمعالجين النفسيين؟! هل الجواب فقط لأنهم من الفئة العمرية ذات المشاعر غير المستقرة والأكثر عرضة للإنجراف إلى اليأس، أم علينا أن نبحث في واقع البيت والبيئة التي يتواجدون فيها إذ أنهما العاملان الأكثر تأثيرا فيهم!
وفي هذا الصدد أجرينا حوارًا خاصًا مع المعالجة النفسية مارتين الزغبي. والتالي هو نصّ الحوار:
١- هل من الممكن أن يشفى الولد كليا من الأمراض النفسية؟
الأمراض قسمان:
أمراض مزمنة لا يوجد علاج لها، وهي التي “يكيّسها” الدواء لكن لا يشفيها.
وأمراض أخرى، أو المشاكل النفسية التي من الممكن تخطّيها بالعلاج النفسي.
أما أسباب المشاكل النفسية عند الأولاد فمتعدّدة نذكر من بينها: علاقة سيئة مع الأهل، غيرة، مشكلة حصلت في الحياة الإجتماعية للولد خلال حياته المدرسية أو الصعوبات الدراسية… والأكيد أنّه من الممكن تخطّيها ولكن بشروط كاستمرارية العلاج النفسي، وثقة الأهل بإمكانية تحسّن ولدهم، وتقبّلهم لفكرة انتقاد أنفسهم وملاحظة غلطهم مع الولد وما عليهم تغييره كي يتغير معهم تصرف الولد.
٢- هل يمكن للولد أن يعود إلى حالته المرضيّة التي كان فيها قبل العلاج بعد انتهائه من العلاج؟
نعم، كل شيء ممكن. خاصة إذا توقفت المتابعة الضرورية حتى يستطيع الولد تخطي المشاكل الخاصة به. وكل علاج نفسي يتطلّب دائما توافر ثلاثة عناصر كي يعطي نتيجة، هذه العناصر هي: المعالج النفسي والأهل والولد أو كل شخص له علاقة بالولد حتى يساعدوه على التشافي.
٣- هل الولد الذي يعيش مع والدين واحد “صحي” وآخَر غير متوازن يشعر وكأنّ أهله منفصلين؟
تأثير المرض كبير خاصة إذا لم يجرؤ الشريك، غير المريض، من الأهل، أن يواجه مرض شريكه “ودخل بمرضه”. تقول مقولة باللغة الفرنسية: نشارك الجنون، الجنون المتشارك، الجنون لإثنين. وتفسيرها أن الأم تأخذ مرض الأب النفسي والعكس صحيح. فهنا تصبح الحالة أكثر صعوبة على الولد. بينما تكون سهلة عليه عندما يكون شريك الأهل “الصحي” قادر على أن يتحمل مسؤولية الولد من إهتمام وتعويض عن النقص العاطفي… من الشريك المريض الذي يؤثر سلبا على الولد، فيساعده على أن يعيش الأشياء الصحية على نطاق التواصل والحب والتعبير عنه… وبذلك يساعده على التشافي.
ونعم، ممكن أن نقول أن الأهل منفصلين بمعنى أن الولد سيتعايش مع شريك أهل واحد ومع مرض الشريك الآخر وهذا صعب على الأولاد.
٤- هل من اختلاف بين تأثير الأب وتأثير الأم على الولد؟
إجمالا، عندما تعاني الأم من مرض نفسي ولا تعطي الحب للأولاد هذا يؤثر سلبا عليهم، لأن في مجتمعنا الشرقي، من الصعب على الأب أن يلعب دور الأم. فنجد أحيانا أنّ الأهل يعطون للولد مرجعيات كالجدة والعمة ومساعدة البيت والمعلمة الخاصة، بمعنى أنّه عندها ينوب عن الأم ستة أو سبعة أشخاص، من غير الممكن أن يكون أحدا من هؤلاء الأشخاص بديلا عن الأمّ بمعنى أن يعوض الحبّ والنقص العاطفي الموجود عند الولد.
أمّا عندما يكون الأب هو المريض النفسيّ، فتستطيع الأم إذا كانت لها القدرة المعنوية والجسدية والمادية أن تتحمل مسؤولية العائلة فيكون حينها الضرر أقل.
لكن مرض الأهل له تأثير نفسيّ سلبيّ على الأولاد، كما على حياتهم المدرسية والإجتماعية وعلى الفرح والسلام الذي يمكن أن يعيشوه.
لذلك نقول، عندما تكثر مشاكل الأولاد علينا أن نبدأ بتقصّي ومعالجة مشاكل الأهل، عندها يصبح تعافي الأولاد ممكنًا.