في زمن الانهيار وتحلّل الدولة، تصارع الجامعة اللبنانية للبقاء. أعادت فتح سكن الحدث الجامعي «بالقوة» لاحتضان طلاب تكويهم كلفة المواصلات من المناطق، وأسعار الإيجارات خارج المجمع. يبدو الخيار أعجوبة وسط سلب الجامعة الإمكانات البديهية المطلوبة
عام 2007، عاشت الجامعة اللبنانية «نشوة» افتتاح السكن الطالبي في مجمع الحدث الجامعي، باعتبار أنّ الحلم تحقّق، وما بدا، يومها، وراء «الإنجاز» من تنازع على صلاحيات إدارة السكن وغياب بعض الخدمات كان مجرد تفاصيل. بعدها، مضى نحو 15 عاماً لُزّمت خلالها صيانة وتشغيل السكن وإدارته لشركتين خاصتين، وكان الوضع «مستتباً»، وإن لم يخلُ من بعض الإشكالات المتصلة بالتلزيم نفسه. اليوم، تعيش الجامعة «النشوة» نفسها مع إعادة افتتاح السكن، «بالقوة» هذه المرة، بعد أشهر من الإقفال القسري نتيجة امتناع الشركتين الملتزمتين عن القيام بتعهداتهما تجاهه، احتجاجاً على تأخر الدولة في دفع مستحقاتهما.
الطلاب: «أوفر بكثير»
«الإنجاز الجديد» أن الجامعة احتضنت 1600طالب التحقوا بسكن الحدث منذ بداية آذار الماضي، ووفّرت عليهم عناء الانتقال من المناطق والسكن خارج المجمع بكلفة لا تتدنى عن 100 دولار شهرياً، ولا تشمل فاتورة الكهرباء والإنترنت والمياه الساخنة والمواصلات من وإلى الجامعة. هنا في السكن الجامعي، يدفع الطلاب رسماً شهرياً بقيمة مليون ونصف مليون ليرة، متضمناً الكهرباء 24 ساعة والإنترنت. هم يدركون أنهم لا يقطنون فندقاً ولا حتى بنجمة واحدة، لكنهم يكيّفون أمورهم «بالتي هي أحسن»، رغم غياب المياه الساخنة والصيانة وضعف «النت».
لدى دخوله غرفته، اصطدم هاشم، الطالب في كلية الهندسة، بـ«وجود عطل ما يبقي المياه متجمّعة في الحمام، في حين أن اللمبة بضوي وبطفي»، مشيراً إلى أنه أبلغ المعنيين بذلك، وتجري المعالجة شيئاً فشيئاً، ولا يجد أمامه سوى الصبر، وخصوصاً إذا كان البديل الانتقال من بعلبك إلى الحدث.
في بهو سكن الفتيات، نقطع على تيريزا، الطالبة في كلية الطب، خلوتها الدراسية لنسألها عن أحوال السكن، فتجيب بـ«ماشي الحال». ارتضت ابنة رميش الجنوبية العيش هنا متغاضية عن غياب المياه الساخنة والأعطال في الغرف ومشاكل النظافة أحياناً ومنع الطلاب من إحضار الأدوات الكهربائية، بما فيها الغاز، «لأن الأكلاف بتفرق»، فكلفة انتقالها من بلدتها يومياً تكاد توازي الرسم الشهري للسكن (مليون و300 ألف ليرة)، وثمة من قال لها من أصدقائها إنه يدفع 200 دولار شهرياً، كلفة السكن خارج الجامعة. وطالبت تيريزا بافتتاح الكافيتريا الملحقة بالسكن كما كان الحال سابقاً.
تدخّلت فاطمة، الطالبة في كلية العلوم، لتقول إنها كانت تسكن في محيط المجمع وكانت تدفع 60 دولاراً، ثمن إيجار السرير الواحد فقط، من دون بدلات الكهرباء والإنترنت والمياه الساخنة. أما ساندرا كنعان، الطالبة في كلية الحقوق، فأبدت ارتياحها للواقع الحالي للسكن، ولا سيما أنها اختبرت الأسوأ، خلال الامتحانات النهائية، العام الماضي، إذ لم تقوَ على العيش بعدما غزت الأعطال الغرف، وملأت النفايات المكان، فآثرت الانتقال إلى بلدتها الشوفية، حيث يكلفها المشوار إلى الجامعة 600 ألف ليرة ذهاباً وإياباً.
غوى بركات، عضو اللجنة الطالبية المتابعة للسكن، تحدثت عن «أعجوبة» افتتاح السكن وسط الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد والجامعة، إذ هناك طلاب انتقلوا إليه من عكار والبقاع والجنوب، مشيرة إلى أن الجميع يتدبر أموره على أساس أن ما حظي به فرصة، فالكهرباء لا تنقطع والإنترنت موجود وإن كان بطيئاً، فيما يستعين الطلاب على غياب المياه الساخنة، بـ«سخان» كهربائي صغير، وهو الأداة الكهربائية الوحيدة التي يُسمح لهم بإدخالها». تقول الطالبة في كلية طب الأسنان إن السكن مناسب لطلاب الكلية، فما يوفّرونه من مبالغ في السكن والمواصلات يشترون به المواد والمعدات الضرورية لدراستهم.
عمّال ينتظرون الفرج
لم يقبض عمال التشغيل والصيانة في المجمع رواتبهم منذ أن غادر المتعهد (شركة دنش للتجارة والمقاولات) الجامعة، أي قبل ثلاثة أشهر، رغم أنهم لا يزالون يقومون بالأعمال الرئيسية، بناءً للوعد الذي قطعوه لرئيس الحكومة آنذاك. إلا أن المشكلة، بحسب مسؤول العمال بشير زعتير، أن الأموال لا تُصرف إلا للشركة الملتزمة أعمال التشغيل والصيانة السابقة (دنش) أو يمكن إبرام عقود مصالحة وهو ما سيستغرق وقتاً، أو إرساء مناقصة الصيانة والتشغيل على متعهد جديد، وهو ما لا يحصل حتى الآن، إذ لا يتقدّم أيّ من العارضين على المناقصات التي أطلقتها الجامعة في هذا الخصوص. وفيما أشار زعيتر إلى أن رئيس الجامعة رفض إبرام عقد بالتراضي مع أي شركة، خلافاً للقانون، يراهن على المناقصة الجديدة التي أُطلقت أمس في «حلحلة» الأمور، وخصوصاً أنه جرى التواصل مع بعض الشركات للمشاركة في المناقصة، من دون أن يستبعد الحل السياسي أي الطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري الضغط على شركة «دنش» لتسيير المرفق.
الجامعة تصارع للبقاء
يرى مدير مجمع الحدث، مجيد الحلو، أن الجامعة افتتحت السكن «بالقوة» وتديره بما أوتي لها من إمكانات، تلبية لحاجة الطلاب إليه، لافتاً إلى أن الدافع إنساني بالدرجة الأولى، ولا سيما بعدما حضر بعض الأهالي إلى الجامعة يستجدونها لإعادة فتح السكن الذي يوفّر الأمان لأبنائهم، ووسط انعدام الخيارات البديلة. إلا أن الحلو لا ينكر ضرورة استقدام شركة تتولى التشغيل والصيانة، فالجامعة لا تقوى على تشغيل المعدات ومضخات المياه وغيرها، فيما بعضها بات مهترئاً ويحتاج إلى إعادة تأهيل. ماذا عن غياب المياه الساخنة؟ يجيب: «تأمين المياه الساخنة يتم بواسطة تشغيل المولدات الضحمة، وليس عبر كهرباء الدولة التي تحظى الجامعة بأولوية في الحصول عليها، وهذا المولد يتطلب 5000 ليتر مازوت للتقليعة، وهو ما يستحيل توفيره».
رفض رئيس الجامعة إبرام عقد بالتراضي ويراهن على مناقصة جديدة أُطلقت أمس
مصادر رئاسة الجامعة توضح أن صيانة السكن وتشغيله ونظافته وحراسته باتت جزءاً من الصيانة العامة في المجمع وليست حالة مستقلة، وقد رست مناقصة النظافة على شركة خاصة ومناقصة الحراسة على شركة ثانية، وهاتان الشركتان كانتا متعهّدتين من الباطن مع «دنش»، أي أنهما ستستوعبان كلّ الموظفين باعتبار أنهم كانوا يعملون معهما. إلا أن تأخير توقيع العقد مع الشركتين ينتظر الإفراج عن مرسوم الـ60 مليار ليرة التي أقرّها مجلس الوزراء لنظافة المجمعات الجامعية وحراستها. المشكلة، بحسب المصادر، تكمن في مناقصة الصيانة التي تجري وفق قانون الشراء العام والتي لم تتقدّم إليها أيّ شركة حتى الآن، وقد أُطلقت المناقصة الرابعة، علماً أن عمل هذا القطاع دقيق ويحتاج إلى خبرات مهندسين وتقنيين، بخلاف القطاعين الآخرين. ماذا عن كافيتريا السكن؟ تجيب المصادر: «الكافيتريا والنادي الرياضي في السكن والمطاعم في الجامعة ملف آخر مستقل قد نقاربه العام المقبل، وخصوصاً أن العمل هذا العام كان مصوّباً باتجاه تقديمات الأساتذة، فالجامعة تعيش غصباً عن الطبيعة بغياب تحمل الدولة لمسؤولياتها». وتشير إلى أن الرئاسة تفاوض الجهات المانحة لتأمين الطاقة الشمسية للمجمّعات الثلاثة الكبيرة في الحدث والفنار والشمال، إلا أن المساعي لم تؤت أكلها بعد.
فاتن الحاج – الاخبار