سجّل “حزب الله” انتصاراً سياسياً كبيراً بقيام جامعة الدول العربية بشطبه من لائحة الإرهاب بعد 8 أعوام، منذ آذار 2016. ورغم توضيحات الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي حول تصريحاته الأولية، تحت ضغط المعترضين والمصدومين منها، إلا أنها لن تزيل وقع إعلانه قرار الجامعة العربية بخصوص “حزب الله”، في وقت يخوض الأخير حرباً شرسة بوجه الجيش الإسرائيلي الذي ينفِّذ جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، ويشن هجمات حادة على جنوب لبنان.
قرار جامعة الدول العربية أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية، خصوصاً في الداخل اللبناني، حيث اعتبر معارضو الحزب أن هذا القرار أتى وفق تسوية كبرى ووساطات دبلوماسية ليست بعيدة عن الولايات المتحدة الأميركية، كما لهذا القرار تداعيات سياسية يجب الوقوف عندها.
وبحسب مطلعين، لقد أدّت مقاومة “حزب الله” ومساندته لغزة إلى إضعاف كل الإفتراضات التي كانت قائمة، وهي في حقيقتها مبنية على مقدمات ظالمة وعلى مواقف مسبقة لا تستند إلى أي معيار موضوعي وأخلاقي وقومي.
ولكن طبيعة التوازنات التي فرضها الحزب بالقوة والثبات ونتيجة المواقف الدولية والشعبية المندّدة بالإجرام الإسرائيلي، كان على الجامعة العربية أن تغيِّر سلوكها.
والحق بحسب المطلعين، إن الجامعة ما كان بالإمكان أن تحافظ على موضوعية موقفها لو أبقت “حزب الله” ضمن دائرة الإرهاب. إذ كيف يعقل أن الذي يدافع عن المظلومين والضحايا في فلسطين أن يوصف بالإرهابي؟
ولفتت إلى أن التقارب الإيراني ـ المصري، والسوري ـ المصري، والسعودي ـ السوري، والإيراني ـ السعودي، كلها ساهمت بإعطاء صورة جديدة لمشهدية “حزب الله”. خصوصاً وأن السياسة موقف متغيِّر يرتبط بموازين القوى، والجامعة كانت تنظر بما توافر لديها من معطيات من تقدم في العلاقات بين إيران والدول العربية لينعكس ذلك إيجاباً من هذه الناحية.
ويشير مطلعون، إلى أن مشروعية المقاومة في العالم العربي باتت أساسية، ولا يمكن للجامعة أن تبتعد بمواقفها عن هذه المشروعية. والمهم ذكره أن “حزب الله” يستفيد من كل موقف رسمي أو شعبي عربي لإعادة صياغة الواقع العربي على أسس العداء مع إسرائيل.
وما الغضب الداخلي من قرار الجامعة العربية بشأن “حزب الله”، بحسب أوساط قريبة من “الثنائي الشيعي”، أن بعض أفرقاء الداخل لديهم حقد على الحزب، وهم أي معارضو الحزب يستمتعون برؤية “حزب الله” مهزوماً أو موسوماً بوصمة الإرهاب. وتعتبر أن هذا التغيّر في موقف الجامعة من شأنه أن يرفع من مكانته اللبنانية والعربية ويجعله أكثر قوة على صعيد المعادلات المحلية والخارجية، كما سيمكنه من دخول أبواب ما كان بالإمكان أن يدخلها، وسيزيد من رصيده الشعبي والسياسي على مستوى المنطقة.
والمعادلة الأبرز، هي التي ستلي حرب غزة والتي ستحتاج فيها إسرائيل إلى حلول مستدامة لتعيد التقاط أنفاسها بعد الإنتكاسة الكبيرة التي تعرّضت لها، والحرب التي أنهكتها عسكرياً وإقتصادياً وإجتماعياً، وما الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة على أكثر من جبهة إلا تحضيراً للتسويات التي ستلي الحرب. فحراك وزير الخارجية الأميركي تجاه البلدان العربية وأبرزها المملكة العربية السعودية، هو تمهيد لاتفاق تطبيع بينها وبين إسرائيل، والمفاوضات الأميركية ـ الإيرانية في سلطنة عمان، هي ترتيب لضمانات الإستقرار التي ستلي حرب غزة، وأخيراً جولات الموفد الأميركي آموس هوكشتاين هي للتفاوض مع “حزب الله”، وإن بشكل غير مباشر عبر الرئيس نبيه بري، حول ترتيبات الجنوب والمرحلة التي ستلي الحرب أمنياً وسياسياً.
ولحسن حظ أخصام “حزب الله” في لبنان، أنه لطالما أعلن وردّد على لسان أمينه العام، أنه لا يوظّف انتصاراته العسكرية مكاسب في الداخل اللبناني، لكن ذلك لن يمنع أفرقاء لبنانيين آخرين أن يعدّلوا في مواقفهم بإتجاه خيارات “حزب الله” الرئاسية والسياسية بعدما أيقنوا خروجه قوياً بعد الحرب، وما سلوك وليد جنبلاط منذ 7 تشرين الأول، وانعطافات جبران باسيل الأخيرة “لحماية المقاومة” إلا مؤشرات على ذلك.