تسود خشيةٌ في بيروت من أن تكون البلادُ على مَشارف معاودةِ «ربْط الأحزمة» في ظلّ مؤشراتٍ إلى أن ما بعد عيد الفطر المبارك قد يحمل انتهاءَ مَفاعيل «التنويم الاصطناعي» للدولار الأسود عند حدود نحو 97 ألف ليرة واستعادةِ الجبهة النقدية «اشتعالَها» في الطريقِ إلى مايو مفصليّ لجهة إما وضْع الأزمة الرئاسية على سكة «حلّ الصيف» وإما رمي لبنان في فم الخريف… المُخيف.
وإذ كانت كل العدسات على «كرة النار» في السودان والتي من شأنها تبديل الأولويات العربية قبل قمة الرياض وإبعاد لبنان عن «رادار» الاهتمام، لم تُبْدِ أوساطٌ سياسيةٌ تفاؤلاً بأن يكون مسارُ إخراج الاستحقاق الرئاسي من النفق المظلم، والذي صار له إطارٌ ناظم اسمه «مجموعة الخمس» (تضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر)، دَخَلَ مرحلة تضييق الفجوة بين المتصارعين في بيروت على كرسي شاغر، فيما البلاد المُنْهَكة بانهيارٍ مالي مريع كأنها على… كرسي الإعدام.
وفي حين كان الترقّبُ لاجتماعٍ جديد لمجموعة الخمس حول لبنان قد يحصل بعد عيد الفطر وسط رصْدٍ لِما إذا كان سينعقد هذه المَرة في عاصمة عربية (الاجتماع الأول كان في باريس)، فإنّ معطيات تحدثت عن أن بداية اقتناعِ فرنسا بعدم جدوى حصْر الرهان لإنهاء السباق الرئاسي على «حصان واحد» هو زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية يشكل تطوراً يسمح بعملية «تحديثٍ» للمساعي الخارجية والانطلاق في جولة ثانية من البحث عن «الرئيس الضائع» والتي يتعيّن أن تتم ملاقاتها في الداخل بـ «أدوات شغل» جديدة ولا سيما من جانب قوى المعارضة.
وفي هذا الإطار ترى الأوساط أن المعارضة ستجد نفسها عاجلاً أم آجلاً أمام وجوب القيام بـ «update» لمسار ترشيح النائب ميشال معوّض الذي طُوي واقعياً، وإرفاق الـ «لا» الحاسمة لفرنجية بـ «نعم» لمرشّحٍ آخَر يمكن أن يوفّر حوله تقاطعاتٍ تسمح بإحداث الخرق المطلوب وبإخراج «حزب الله» من وضعيةِ الانتظار الطويل التي يشير عارفون إلى أنه يعتمدها حتى الساعة تحت عنوان «فرنجية مرشحنا» وأنه مستعدّ أن يعلّق انتخابه (وحتى لو نجح في توفير غالبية 65 صوتاً له) إلى أن يحظى بقبولٍ خارجي وخليجي خصوصاً، وهو المعيار نفسه الذي جعل الحزب لا يمانع مبدأ المقايضة بين رئيس جمهورية من «8 مارس» ورئيس حكومة قريب مما كان يُعرف بـ 14 مارس مثل نواف سلام، قبل أن يَسقط هذا الطرح.
ولم يكن عابراً أمس أن يرفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الصوتَ في وجه المسؤولين «الذين تفانوا بكلّ جهد» في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة وشلّ المؤسّسات الدّستورية منذ ستّة أشهر فرموا البلاد في الإنهيار الكامل، ثمّ عادوا بذات «التّفاني والجهود» ليمدّدوا للمجالس البلديّة والاختيارية – ويا للسّخرية! – ظناً منهم انهم بذلك يبرّرون عدم إمكان انتخاب رئيس للجمهورية».
وسأل الراعي «نواب الأمّة»: «كيف رفضتم الاجتماع، لغاية تاريخه، لانتخاب رئيس للجمهوريّة، واليوم تجتمعون بكلّ سهولة وتؤمّنون النصاب (في جلسة للبرلمان غداً) من أجل تأجيل استحقاق دستوري آخَر وطني وديموقراطي، هو إجراء الانتخابات البلديّة والاختيارية؟ إنّكم بكلّ سهولة تستخفّون بالشّعب.
ويا لسخافة السّبب المخجل وهو عدم وجود مال لتغطية أكلاف الانتخابات! لماذا لم تؤمّنوا المال قبل الوصول إلى أجل هذا الاستحقاق؟ إنّها سخافة ثانية تضاف إلى سابقتها وهي: التوافق على الشّخص المرشّح للرئاسة الأولى».
وأضاف: «في كلتا السّخافتين بيّنتم للملأ أنكم غير جديرين بالمسؤوليّة التّي أُسندت إليكم، ومع هذا كلّه تحتلون وتصادرون المسؤوليّة على حساب هدم الدّولة وإفقار الشّعب وقتْله.
أليست هذه خيانة للأمانة التّي ائتمنكم عليها الشعب؟ كيف توفّقون بين خفّة قرار تمديد ولاية المجالس البلديّة، وجدّية العمل الطويل الذي قامت به وزارة الداخليّة لإعداد الهيئات النّاخبة وتنظيمها؟».
ولم تقلّ دلالة مواقف متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة في قداس الفصح، حيث أعلن «أن مسؤولي الوطن أصبحوا سبباً لموت البلاد والعباد، بعدما عاثوا الفساد في كل المرافق والقطاعات»، معتبراً «أن بلدنا بحاجة إلى تجديد، إلى إصلاح حقيقي يطول كل المجالات. والإصلاح يقتضي وجود قرار سياسي، والقرار مفقود لأن البلد بلا رأس، وبلا حكومة فاعلة. أما المجلس النيابي فقد انقضى ربع ولايته وما زال مشوشا، مشتتا، وبلا قرار. حتى أبسط واجباته لم ينجزها، وأولها انتخاب رئيس للبلاد».
وأضاف: «هل يحاسب النواب أنفسهم على عدم القيام بواجبهم وعدم احترام المهل الدستورية وتجاهل الاستحقاقات؟ هل هم مطمئنون إلى عدم انتخاب رئيس؟ وهل يحتاج المجلس إلى أشهر للانتخاب؟ أهذا ما ينص عليه الدستور؟ ليت نوابنا يقرأون دستور البلاد جيداً، وليتهم يستعملون عقلهم وحسهم الوطني عوض الغرائز الطائفية والمذهبية، والمصالح والولاءات. ليتهم يكفون عن تبادل الاتهامات، وعن التكاذب، والتحايل على الدستور، ويقررون دخول قاعة المجلس وعدم الخروج منها قبل إتمام عملية الانتخاب. ليتهم يعملون فقط من أجل مصلحة لبنان».
ورغم «الصوت العالي» للبطريرك الراعي والمطران عودة، فإن بيروت لم تشهد أي تطور من النوع الذي يوحي بانطلاق مسار جدي لكسْر المأزق الرئاسي. فالبرلمان الذي يشلّه التوازنُ السلبي بين مكوّناته ينتظر نضوج تسوية ما يتقاطع فيها الداخل مع الخارج لحياكة مرشح رئاسي قادر على تأمين نصاب سياسي – دستوري لانتخابه.
واللافت في هذا السياق أن المرشح الأكثر حضوراً على المسرح، أي فرنجية الذي سبق أن زار باريس، عَقد أخيراً ما وُصف بـ«لقاء عائلي» مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، وهو اللقاء الذي حرص الجانبان على إبقائه بعيداً عن العدسات وخارج نطاق التداول الإعلامي.
وعلمت «الراي» من مصادر تسنّى لها الاطلاع على أجواء اللقاء بين الأسد وفرنجية أن الرئيس السوري تمنّى لصديقه التوفيق في مهمته، آملاً في رؤيته رئيساً للبنان، وأعرب له عن اعتقاده بأن حلفاءهما في لبنان (حزب الله والرئيس نبيه بري) يبذلون ما في وسعهم من جهود لإزالة العقبات من طريق وصوله إلى الرئاسة.
وثمة مَن يعتقد في بيروت أن فرنجية أراد من زيارته للأسد القيام بعملية جسّ نبض حيال مسألتين: إمكان اضطلاع الرئيس السوري بأي دور في لحظة الانفتاح العربي على دمشق، ومناقشة مواقف الأطراف اللبنانية ولا سيما رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من الاستحقاق الرئاسي في ضوء معاندة الأخير ورفْضه انتخاب رئيس «المردة».
الراي الكويتية