تعتبر قضية المقالع والكسارات في لبنان مشكلة قديمة – جديدة في آن واحد، تزداد سوءًا يومًا بعد يوم بسبب عدم تطبيق الأنظمة و القوانين. يتم هذا الاستغلال تحت ستار وابل من الأعذار، منها اللوجستية، الإدارية، والسياسية، وغيرها… مما يسمح لمن يديرون المقالع والكسارات العشوائية بنهب ونهش جبال ووديان لبنان، مما ينتج منه أضرار لا يمكن إصلاحها ولو حتى بعد مئات وملايين السنوات. فالآثار البيئية السلبية الناتجة منها كبيرة وخطرة جداً، تلقي بظلالها على البيئة والإنسان!
ضرار بيئية جمّة!
تعمل المقالع والكسارات في لبنان بشكل عشوائي وغير منظّم في ظل غياب رقابة الوزارات المختصّة، وبحسب الخبير البيئي البروفيسور «ضومط كامل»، يمتدّ ضرر الكسارات والمقالع من أماكن وجودها إلى الأماكن المجاورة سواء السكنية أو الزراعية، وكذلك ما يصحبها من تلوث في المياه والهواء. إليكم أبرز أضرارها:
تلويث الهواء بالغبار والمواد الصلبة.
انتهاك قواعد الطبيعة وآلياتها في إعادة التوازن كما هو الحال بالنسبة رؤوس الجبال والقمم التي تؤدي دوراً في الاستمطار عند اصطدام الغيوم المتكاثفة بها.
تغيير بنية الأرض من زراعية تستغل لعشرات ومئات السنين إلى أرض مستهلكة صناعيا وغير قابلة للزراعة تستهلك خلال شهور أو سنوات قليلة.
إحداث انكسارات وتفسخات في الطبقات الجوفية نتيجة التفجير وتغيير مسار مجاري المياه والمسارب.
القضاء على الغابات والاشجار المعمرة، وتلويث مصادر المياه والأنهار وضفافها.
جرف طبقات الرمل التي تحفظ جذور أشــجار الصنوبر وغيرها، التي تلعب دور الاسفنجة التي تمتص وتحتفظ بكميات كافية من مياه الامطار وتسمح بامتصاصها وتسربها مع الوقت لتغذية جذور الاشجار والمصادر الجوفية للمياه.
الآثار الصحية
إن وجود وانتشار المقالع بالقرب من المناطق السكنية يسبب أضراراً على البيئة بشكل عام وعلى السكان بشكل خاص، حيث أن قرب تلك المقالع بأقل من متر واحد يزيد من الأمراض التي تضر بصحة الإنسان، إذ تنتج الملوثات من عدة مـــصادر من هذه المــقالع ومنها الغبار والأتربة المتطايرة والمواد الغازية الناجمة عن عوادم السيارات والآلات، بالإضافة إلى الضجيج الذي ينتج من الماكينات، حيث يســبب الغبار العديد من الأمراض التنفسية مثل الربو وضيق التنفس والأزمات الصدرية والتهاب العيون والجلد.
كما أن للغازات الناجمة عن الآلات والسيارات دورا في انتشار تلك الأمراض، أما بالنسبة للضجيج فيعتبر من مصادر الأمراض السمعية، حيث ينتج الضجيج من العمل في المحاجر بحيث تصدر هذه الآلات أصواتاً ذات مستويات عالية جداً، والتي يمكن سماعها من مسافات بعيدة والأصوات التي تصدر من مناشير الحجر خاصة القريبة من المباني السكنية والتي تؤثر في السكان.
الكسارات تنهش جبال لبنان
شهد قطاع الكسارات في بنان ازدهاراً بعد الحرب الأهلية، مع دخول البلاد مرحلة إعادة الإعمار، ويصدر لبنان سنوياً مئات آلاف الأطنان من الأسمنت.
بشكل عام، تحتلّ الكسارات البلد برمّته، لكن تعتبر محافظة جبل لبنان في المرتبة الأولى في مساحة وعدد المقالع والكسارات لا سيما في اقضية عاليه والمتن وجبيل وكسروان حيث تبلغ المساحات المتضررة أكثر من 15 مليون متر مربع.
هذا ووفقاً لدراسة أجراها فريق البنك الدولي، كُشِف أن ثمن التدهور البيئي في لبنان مكلف وأن المقالع تخفض من 16 الى 17 في المئة من قيمة الأرض ومن 16 الى 45 في المئة من قيمة الشقق السكنية المحيطة بها، ويشكل هذا التدهور الاقتصادي ما يعادل 0.1 في المئة من ناتج لبنان الوطني المحلي الإجمالي ما يعادل 34.5 مليون دولار أميركي سنوياً.
ماذا عن الزلازل؟
كشف بروفيسور «كامل» أن هناك إمكانا أن ينتج من المقالع والكسارات فجوات هائلة يمكن ان تخلق او تغير احجام الانهار والبحار وتؤثّر في الصفائح، مما يؤدي إلى حدوث زلازل. وأكّد أن الكسارات معظهما تقع في أراضي البناء المحرمة على المقالع وفوق المياه الجوفية وبين البيوت والقرى التي تعرض اهلها للإبادة الجماعية.
هذا وأثار في الآونة الأخيرة ما تم تداوله عن علاقة بين تفجير كميات ضخمة من المتفجرات في كسارات ومقالع تابعة لمعامل الترابة وتوقيت الزلازل التي تم رصدها من قبل مجلس البحوث العلمية الكثير من ردود الفعل، وخصوصا أن هذا الأمر تزامن مع الكوارث التي نجمت عن الزلازل التي ضربت منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، قام وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين برفع عشرات الدعاوى على أصحاب المقالع وطلب إقفالها بالشمع الأحمر.