في أحد مستشفيات وسط دمشق الخاصة، يتوجّه في نهاية كل أسبوع مجموعة من اللبنانيين لإجراء عمليات جراحية متنوّعة.
في الآونة الأخيرة، راجت عمليات التجميل على أنواعها. عاملة الاستقبال تتحضّر يومَي السبت والأحد من كل أسبوع لاستقبال اللبنانيات خصوصاً اللواتي يجرين عملياتهن في الصباح قبل أن يغادرن بعد الظهر إلى لبنان، أو متابعة برنامجهن السياحي. لانا واحدة ممن اقتنعن بإجراء عملية تكبير لصدرها في دمشق. لم تسمع مسبقاً بالمستشفى أو الطبيب الذي سيُجري لها العملية. بنت ثقتها بهما على ثقتها بصديقاتها «اللواتي سمعن عن الطبيب الشاطر من سائق الباص الذي أوصل سابقاً صبايا قمن بعمليات ناجحة».
وعلى نحو تدريجي، صار السائق سمسار الطبيب في لبنان «يروّج في محيطه للطبيب وشطارته ويتولى حجز الموعد وتوصيل الزبون إلى المستشفى وإتمام إجراءات الدخول والخروج قبل أن يعيده إلى لبنان. المريض يدفع للسائق ثمن الرحلة من بيروت إلى دمشق. أما الطبيب فهو من يدفع له حصته عن عملية كلّ زبون». خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة، ازدهرت مجدداً إجراء العمليات في مستشفيات دمشق بعدما كانت قد خفتت عند اندلاع الحرب السورية. لكن ارتفاع تكاليف الاستشفاء في لبنان ودولرته في ظل استتباب الأمن والطبابة في سوريا، أحيا هذا القطاع مجدداً.
يقضي الاتفاق بأن تُجرى العملية للمريض ويغادر المستشفى في اليوم نفسه.
مبالغة في الطمأنة
متّكلة على الله وعلى سمعة الطبيب بالتواتر، غادرت لانا بيروت في الصباح الباكر. في الطريق، لقّنها الوسيط وصايا عدة، أبرزها بأن الدفع للطبيب بالدولار يتمّ سراً. وحذّرها من أن تتحدّث علانية عن كلفة العملية بالدولار، إنما بما يوازيها بالليرة السورية، أو أن تكثر من سرد تفاصيل الاتفاق على العملية أمام العاملين في المستشفى والمرضى الآخرين. مع ذلك، تكتشف لانا بأن الجرّاح لم يكن إلا طرفاً في عملية منفعة مشتركة بينه وبين إدارة المستشفى والفريق المساعد من طبيب التخدير إلى الممرضين. وجميعهم قبضوا حصتهم من الطبيب. لا تهتم لانا بذلك. «هذا السلوك ليس غريباً عندنا في لبنان. الفارق الإيجابي هو كلفة العملية الأرخص من بيروت». الاتفاق المبرم مسبقاً يقضي بأن تُجرى العملية للمريض، ويغادر المستشفى في اليوم نفسه بعد أن يستفيق من التخدير. ماذا لو حدثت مضاعفات له؟ يحاول السائق – الوسيط، طمأنتها «لم تحدث أي مضاعفات، مع الزبائن الآخرين».
المبالغة في الطمأنة جزء من «البزنس» الذي يتحمل مسؤوليته المريض نفسه، لا سيما في تكبّد عناء طريق العودة الطويل بتخدير لم يتبدّد كلياً، أو بجرح قُطّب للتو، أو أنف ملفوف، أم بطن تعرّضت للقص أو الشفط. وهو ما حصل مع ميرفت التي أجرت عملية جراحية في أنفها. خلال رحلة العودة إلى لبنان، أصيبت بدوار برد وتقيؤ شديدين، وانخفض مستوى ضغط الدم لديها. احتمال الخطأ الطبي وارد في مستشفيات سوريا، كما في لبنان. في المستشفى نفسه، يشير بحث سريع حول اسمه على «غوغل» بأن صبية عشرينية وفتى قضيا خلال الشهر الماضي خلال العملية، الأولى خلال عملية شفط دهون والثاني خلال جراحة لتجبير كسر في الساق.
فرق الأسعار
في كافيتيريا المستشفى، يتلاقى أهل المريض اللبناني بأهل مرضى سوريين. بعض السوريين يبادر إلى إلقاء التحية على الضيوف. منهم لؤي الذي ينتظر خروج والده من عملية القلب المفتوح. اعتاد الشاب مقابلة اللبنانيين في مستشفيات دمشق بسبب فرق الأسعار وتوافر الأطباء الشاطرين. هو نفسه، قصد هذا المستشفى بسبب الجرّاح الشاطر. «لا يمكن إجراء العملية في منطقتنا، في ريف حماه. الطبابة الجيدة متركّزة في دمشق، لا سيما بعد الحرب». في حال احتاج والده إلى تلك العملية قبل الحرب السورية، «لكنا أجريناها في مستشفيات بيروت. كنا نملك القدرة المادية ولم يكن هناك ما ينافس مستوى طبابة لبنان». قبل الحرب وبعدها، لا تزال العملية نفسها أرخص في سوريا «كانت كلفتها قبل الحرب 200 ألف ليرة سورية. أما اليوم، فقد دفعنا 43 مليون ليرة».
مع ذلك، يُعاني القطاع الصحي في سوريا. بعد خروجها من العملية، احتاجت لانا إلى مسكن للوجع ومضاد للالتهابات. كتب لها الطبيب أسماء الأدوية في وصفة طبية وطلب من أهلها شراءها من صيدلية المستشفى. تقرّ الممرضة بأن المستشفى قبل الحرب، كان يؤمن كل ما يحتاجه المريض. «بعد الحصار كل شيء تغير. المستلزمات الطبية والأدوية والأطباء والممرضين».